للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الرابع: استدل بهذا الحديث من قال بمشروعية تغليظ اليمين بالمكان، والمراد بتغليظ اليمين: أن يحلف المدعى عليه باليمين في زمان أو مكان يُعتقد أنَّه يوقع الرهبة في نفس الحالف مما يجعله لا يقدم على الحلف باليمين إلَّا إذا كان صادقًا فيما يقول:

فالتغليظ بالمكان كأن يحلف بين الركن والمقام في مكة، أو عند منبره - صلى الله عليه وسلم - في المدينة، وفي المسجد في غيرهما، والتغليظ بالزمان سيأتي.

ومسألة التغليظ في اليمين موضع خلاف بين أهل العلم، فمن أهل العلم من قال بتغليظ اليمين، وهم المالكية، والشَّافعية، بل نسبه ابن حجر إلى الجمهور (١)، ونقله عنه الشوكاني (٢)، على خلاف بينهم في المقدار الذي ينبغي أن تغلظ فيه اليمين، ودليلهم هذا الحديث، وحديث أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الآتي.

وقد ذكروا تغليظ اليمين في كل أمر عظيم خطره، مثل القصاص والطلاق واللعان.

وذهبت الحنفية (٣)، والحنابلة (٤)، إلى أنَّه لا يشرع التغليظ لا في زمان ولا مكان، وهو اختيار البخاري، فقد بوب في "صحيحه" بقوله: (بابٌ: يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين، ولا يصرف من موضع إلى غيره)، واستدلوا بأن الأحاديث الواردة في أحكام اليمين لم تخص مكانًا دون مكان -كما يقول البخاري - مثل حديث: (اليمين على المدعى عليه)، وحديث: (شاهداك أو يمينه).

وأجابوا عن حديث الباب بأنه ليس فيه ما يدل على جواز التغليظ بالمكان، وإنَّما يدل على تعظيم ذنب الحالف على منبره - صلى الله عليه وسلم - كاذبًا، وكذا حديث أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الآتي يدل على عظم ذنب الحالف بعد العصر لا على التغليظ في الزمان.


(١) "الأم" (٧/ ٦٣٦)، "الاستذكار" (٢٢/ ٨٧)، "فتح الباري" (٥/ ٢٨٤).
(٢) "نيل الأوطار" (١٥/ ٥٤٤).
(٣) "بدائع الصنائع" (٦/ ٢٢٧ - ٢٢٨).
(٤) "المغني" (١٤/ ٢٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>