للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

* الوجه الثاني: استدل بهذا الحديث من قال: إن المكاتب إذا كان معه من المال ما يفي بما عليه من دين الكتابة فإن مولاته التي كاتبته تحتجب منه؛ لأنه قد صار حرًّا، وإن لم يكن سلم هذا المال إليها، وهذا أحد الأقوال في مسألة المكاتب يؤدي بعض ما عليه، وهو أنه إذا ملك ما يؤدي عتق بنفس ملكه قبل أدائه، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد (١)، وعلى هذا القول فلو مات بعد ملكه ما يؤدي قبل الأداء مات حرًّا، يُدفع إلى سيده مقدار كتابته والباقي لورثته، وهذا الحديث معارض لحديث عمرو بن شعيب المتقدم؛ لأن ظاهر هذا أن العبد له حكم الحر إذا كان عنده ما يؤدي به دين الكتابة، وحديث عمرو يدل على أنه رقيق ما بقي عليه درهم.

* الوجه الثالث: ظاهر الأمر بالاحتجاب الوجوب.

والقول الثاني: أن الأمر بالاحتجاب منه للندب، والصارف له حديث عمرو بن شعيب، فإنه قد دل على أن حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد، والعبد يجوز له النظر إلى سيدته كما هو مذهب أكثر السلف (٢).

والصواب أنه لا يكون حكمه حكم الأحرار بمجرد وجوده لما يؤدي، بل هو عبد ما بقي عليه درهم، فكيف إذا كان دين الكتابة كله عنده لم يؤد منه شيئًا؟!

وحديث أم سلمة ضعيف لا يعتمد عليه لما تقدم، والمعول على حديث عمرو بن شعيب.

ومما يدل على ضعف حديث أم سلمة عمل عائشة - رضي الله عنهما - بخلافه، فقد روى ابن أبي شيبة، والبيهقي من طريق عمرو بن ميمون بن مهران، عن سليمان بن يسار، عن عائشة - رضي الله عنهما - قال: استأذنت عليها، فقالت: من هذا؟ فقلت: سليمان بن يسار، قالت: كم عليك من مكاتبتك؟ قلت: عشر أواق، قالت: ادخل، فإنك عبد ما بقي عليك درهم (٣). والله تعالى أعلم.


(١) "الإنصاف" (٧/ ٤٥١).
(٢) "تفسير ابن كثير" (٦/ ٥٠).
(٣) "مصنف ابن أبي شيبة" (٦/ ١٤٧)، "سنن البيهقي" (١٠/ ٣٢٤) وإسناده صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>