للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اليسير لنحو تَحَصُّنٍ، كآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وقالت الشافعية: يجوز ما كان بقصد الذكر لا بقصد القرآن، وقال أحمد: (يرخص للجنب أن يقرأ آية ونحوها) (١).

والقول الثاني: أنه يجوز للجنب قراءة القرآن، وهو قول ابن حزم (٢)، وروى هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقد ذكر البخاري أنه لا يرى بالقراءة للجنب بأساً (٣)، وهو قول سعيد بن المسيب، واختاره ابن المنذر (٤)، واستدلوا بدليلين:

الأول: حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يذكر الله تعالى على كل أحيانه (٥)، قالوا: والقرآن ذكر، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ}، قال الحافظ ابن حجر: (الذكر أعمُّ من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فُرق بين الذكر والتلاوة بالعرف) (٦) وقد نازع بعض أهل العلم في هذا الاستدلال، لكن يرد عليه أن لفظ الذكر جاء على لسان الشرع، والحقيقة الشرعية مقدمة على الحقيقة العرفية كما في الأصول (٧).

الثاني: أن الأصل عدم التحريم حتى يرد الدليل الصحيح الناقل عن البراءة الأصلية، وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها معلولة - كما تقدم - وعلى فرض تسليم الاستدلال بها فليس فيها نهي، وإنما هي حكاية فعل (٨).

والقول بالجواز فيه وجاهة، لما علمت من كلام الأئمة على أحاديث المنع، ومعلوم تشدد الأئمة في الأحاديث التي يستدل بها في الحلال


(١) "حاشية الدسوقي" (١/ ١٣٨، ١٣٩)، "المجموع" (٢/ ١٧٨)، "الإنصاف" (١/ ٢٤٣).
(٢) "المحلى" (١/ ٧٧).
(٣) انظر: "المحلى" (١/ ٧٧، ٨٠)، "الأوسط" (٢/ ٩٨)، "فتح الباري" (١/ ٤٠٧).
(٤) "الأوسط" (٢/ ٩٩، ١٠٠).
(٥) أخرجه مسلم (٣٣٧) وقد تقدم.
(٦) "فتح الباري" (١/ ٤٠٨).
(٧) انظر: "فتح الباري" لابن رجب (٢/ ٤٥)، "موسوعة أحكام الطهارة" (١١/ ٣٠٠).
(٨) "المحلى" (١/ ٧٨)، "التلخيص" (١/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>