للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثاني: في شرح ألفاظه:

قوله: (من نفّس) بفتح النون وتشديد الفاء وآخره سين؛ أي: أزال وفرّج وكشف، مأخوذ من تنفيس الخِناق -وهو ما يَعْصِرُ الحلق- أي: إرخائه حتى يأخذ له نفسًا، والمراد إزالة الضيق، ولفظ البخاري ومسلم من حديث ابن عمر: (من فرّج) وهو من التفريج، وهو أبلغ من التنفيس؛ لأنه يزيل عنه أثر الكربة بحيث يزول همه وغمه.

قوله: (عن مؤمن) خصه بالذكر لمزيد شرفه وحرمته، مما يدل على أن الثواب فيما يُفعل معه من الإحسان آكد، وإلا فالذمي مثله لعموم: "إن الله كتب الاحسان على كل شيء" (١) ويليه المستأمن ثم الحربي. وقد عبر هنا بالإيمان وفي الجمل الآتية بالإسلام إما للتفنن، أو لأن الكربة تتعلق بالباطن فناسب الإيمان المتعلق به أيضًا (٢).

قوله: (كربة) بضم فسكون، والجمع (كُرَب) بضم ففتح، والكربة هي الشدة العظيمة، وأصل الكربة: ما أهمَّ النفس، وغمَّ القلب، ولما كانت الكربة تقارب أن تُزهق النفس لشدة غمها، كأنها عطلت مجال التنفس منه ناسب التعبير بـ (نَفَسَ) بدل أزال وفرّج (٣).

وقوله: (من كرب يوم القيامة) ولم يقل كرب الدنيا والآخرة كما في التيسير والستر، إما لأن الكربة هي الشدة العظيمة -كما مر- وليس كل أحد يحصل له ذلك في الدنيا، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة إلى الستر، فإن الإنسان قد لا يخلو منهما ولو بتعسير بعض المطالب، وإما لأن كرب الدنيا ليست بشيء بالنسبة إلى كرب الآخرة، فجعل الله جزاءه تنفيس كرب الآخرة (٤).


(١) تقدم شرحه في "الصيد والذبائح" برقم (١٣٥١).
(٢) "المعين على تفهم الأربعين" ص (٣٠٠).
(٣) انظر: "الفتوحات الوهبية" ص (٢٦٨).
(٤) "جامع العلوم والحكم" حديث (٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>