للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

• الوجه الثالث: في الحديث ذم التعلق بالدنيا، وأنه لا يليق بالمسلم الذي غايته أسمى، وهمته أعلى أن يجعل الدنيا أكبر همه وغاية قصده، فيكون همه تحصيل المال وتجميل الحال، ولا يرضى إلا للمال، ولا يسخط إلا له، فإن هذه صفة مَنْ ذمهم الله تعالى بقوله جل وعلا: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨)} [التوبة: ٥٨] ومن كان بهذه الصفة استعبدت الدنيا قلبه وشغلته عن ذكر الله تعالى وعن عبادته، وصار عبدًا لما يهواه ورقيقًا له، إذ الرق والعبودية في الحقيقة هو رق القلب وعبوديته، فما استرق القلبَ واستعبده فهو عبد له، وهكذا طالب المال فإنه يستعبده ويسترقه.

ومن المال ما يحتاج إليه العبد كما يحتاج إلى طعامه وشرابه ومنكحه ومسكنه ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله، ويرغب إليه فيه، فيكون المال عنده يستعمله في حاجته بمنزلة حماره الذي يركبه وبساطه الذي يجلس عليه، ومنه ما لا يحتاج إليه، فهذا ينبغي له ألا يتعلق قلبه به وإلا صار مستعبدًا له، بل قد يكون معتمدًا على غير الله فيه، فهذا على خطر عظيم؛ لأن في قلبه شعبة من العبادة لغير الله وشعبة من التوكل على غير الله (١). والله تعالى أعلم.


(١) "تيسير العزيز الحميد" ص (٥٤٠، ٥٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>