ثم الإخلال بحقوق النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وظلم الغير عبارة عن التفريط في حقه؛ كقطيعة الرحم، وعقوق الوالدين، وإيذاء الجار، والإخلال بحقوق الزوجة، ومن الظلم مماطلة الغني في أداء حقوق الناس من دين أو غيره.
والظلم: وضع الشيء في غير موضعه المخصوص به، وهو ضد العدل، فكل انحراف عن العدل فهو ظلم؛ لأن العدل وضع الشيء موضعه، والقيام بالحقوق الواجبة، حقوق الله تعالى وحقوق المخلوقين من الوالدين والأرحام والزوجين وسائر الناس.
وظلم الناس أنواع كثيرة يجمعها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا … "(١).
قوله:(ظلمات يوم القيامة) جمع ظلمة، وهي شدة الظلام بحيث لا يرى الإنسان ما حوله، وهذا على ظاهره، فيكون الظلم ظلمات متوالية على صاحبه بحيث لا يهتدي يوم القيامة سبيلًا، وقيل: المراد بالظلمات: الشدائد والأهوال على حد قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}[الأنعام: ٦٣] أي: من شدائدهما، وقيل: إنها عبارة عن الأنكال والعقوبات، والصواب الأول حملًا للكلام على ظاهره.
• الوجه الثالث: في هذا الحديث الموجز البليغ تحذير من الظلم، وبيان لشؤمه وسوء عاقبته يوم القيامة، حيث يفقد الظالم النور الذي يستضيء به المؤمن يوم القيامة، فيكون في ظلام دامس لا يرى طريقه بقدر ما حصل منه من ظلم، إذ لا نور يوم القيامة إلا من أعطاه الله نورًا، قال تعالى:{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أَيدِيهِمْ وَبِأَيمَانِهِمْ}[الحديد: ١٢]، وقال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور: ٤٠]،، وسيأتي لهذا الحديث مزيد كلام في شرح حديث أبي ذر - رضي الله عنه - إن شاء الله -. والله تعالى أعلم.