إلى دليل، والظن الذي لا يستند إلى شيء يجوز الاعتماد عليه هو من الكذب؛ لأن الظان إذا اعتمد على ما لا يُعتمد عليه وجعله أصلًا وجزم به صار كاذبًا.
وإنَّما صار الظن أشد من الكذب لأمرين:
١ - أن الكذب مستقبح في أصله مستغنى عن ذمه، بخلاف هذا فإن صاحبه يرى بزعمه أنَّه مستند إلى شيء، فناسب وصفه بأنه أشد الكذب مبالغة في ذمه والتنفير منه.
٢ - أن الاغترار بالظن أكثر من الاغترار بالكذب المحض، وذلك لخفائه غالبًا ووضوح الكذب.
وسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثًا في قوله:"أكذب الحديث" لأنه حديث نفس يثمر غالبًا قولًا أو فعلًا غير مطابق للواقع.
• الوجه الثالث: في الحديث تحذير من الظن الذي لم يُبْنَ على دليل ولا قرائن قوية وأمارات صحيحة بحيث يعتمد الإنسان على هذا الظن المجرد ويبني عليه الأحكام ويرتب عليه النتائج، وأن هذا من مساوئ الأخلاق، وأن الواجب الحمل على المحامل الحسنة إلَّا أن تقوم البينة العادلة والقرائن القوية على خلاف ذلك، وإلَّا فإن الأصل البراءة والحذر من سوء الظن بغير حق؛ لأن سوء الظن فيه مفاسد عظيمة، من إساءة الظن بالمسلم، وبغضه وعداوته، ثم إن الظان قد يقول ما لا ينبغي، أو يفعل ما لا ينبغي، ومن الظن السيئ ظن بعض الرجال بزوجته، وبناء الأحكام على أمور لا حقيقة لها ولا وجود، فيترتب على ذلك نتائج وخيمة، ومن الظن السيئ أن يتكلم أخوك بكلام فتحمله على أسوأ المحامل.
وعلى هذا فالمراد بالحديث تحقيق الظن وتثبيته وتقريره في النفس، أما مبادئ الظنون التي لا تُملك، بحيث تعرض في النفس ولا تستقر فإنه معفو عنها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز عن أمتي ما لم تتكلم أو تعمل"(١)، يقول