للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن الأثير: قَتَّ الحديث: إذا زوَّره وهيأه وسواه (١). وعلى هذا فالقتات والنمام بمعنى واحد، وهو الذي ينقل الكلام من شخص إلى آخر بقصد الإفساد، وقيل: بينهما فرق لطيف، وهو أن النمام يكون مع القوم يتحدثون، فينم عليهم، ويكشف من حديثهم ما يكرهون كشفه، والقتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون به، ثم ينم وينقل حديثهم (٢).

• الوجه الثالث: الحديث دليل على تحريم النميمة وعظم شأنها وأنها من كبائر الذنوب؛ لما فيها من الإفساد وما يترتب عليها من المضار، فهي تزيل كل محبة، وتبعد كل مودة، وتقطع التآخي والتآلف، وتجلب الخصام والنفور، وتذكي نار العداوة بين المتصافيين، وتفرق المجتمعات وتفسدها، وكلما عظم أمرها واشتد خطرها، كان إثمها أعظم وجرمها أكبر، فهي بين الأقارب وذوي الأرحام والجيران أشد منها بين الناس البعيدين.

وقد تظاهرت الأدلة من الكتاب والسنة على تحريمها والوعيد في حق متعاطيها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)} [الأحزاب: ٥٨]، وقال تعالى: " {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)} [القلم: ١١]، وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)} [ق: ١٨].

وعن ابن عبَّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله" (٣).

وعن عبد الله بن مسعود - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قال: إن محمدًا على قال: "ألا أنبئكم ما العَضْهُ؟ النميمة القالة بين الناس" (٤). والعَضْهُ: بفتح العين وسكون الضاد بوزن الوجه على الأشهر في كتب الحديث، مصدر عَضَهَ يَعْضَهُ عَضْهًا بمعنى


(١) "النهاية" (٤/ ١١).
(٢) انظر: "فتح الباري" (١٠/ ٤٧٣).
(٣) رواه البخاري (١٢٨٩)، ومسلم (٤٣٩).
(٤) رواه مسلم (٢٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>