للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (يوم القيامة) ظرف متعلق بالفعل قبله، فيدل على أن نفي الشفاعة والشهادة مراد به يوم القيامة، فإن كان متعلقًا بالشفاعة وحدها احتمل أن يراد بنفس الشهادة: الشهادة في الدنيا، بمعنى لا تقبل شهادتهم؛ لأن الإكثار من اللعن دليل على التساهل في أمور الدين، وعلى هذا يكون المراد نفي الشهادة في الدنيا والآخرة، واحتمل معنى ثالث وهو أنهم لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله (١).

• الوجه الثالث: في الحديث تحذير من كثرة اللعن، وبيان أن اللعانين ليس لهم منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، فلا تقبل شفاعتهم في إخوانهم لدخول الجنَّة، ولا تقبل شهادتهم على الأمم السابقة في أن رسلهم بلغوا الرسالة.

فعلى المؤمن أن يحذر من هذا الخلق السيئ وأن يطهر لسانه من اللعن والسب والشتم؛ لأنه قد استهان كثير من الناس بلفظ اللعن، فصار يصدر لأقل سبب، بل من الناس من يلعن الآدمي والحيوان والجماد، وكل هذا سببه اعتياد اللسان على اللعن، إما من عدم المبالاة، أو من الجهل بما يترتب عليه، وقد عظَّم النبي - صلى الله عليه وسلم - شأن لعن المؤمن فقال: "لعن المؤمن كقتله" (٢) يقول القرطبي: (وقوله: "لعن المؤمن كقتله" أي: في الإثم، ووجهه: أن من قال لمؤمن: لعنه الله؛ فقد تضمن قوله ذلك إبعاده عن رحمة الله تعالى التي رحم بها المسلمين، وإخراجه من جملتهم في أحكام الدنيا والآخرة، ومن كان كذلك فقد صار بمنزلة المفقود عن المسلمين بعد أن كان موجودًا فيهم، وإذا لم يُنْتَفَعُ بما انتفع به المسلمون، ولا انتفعوا به، فأشبه ذلك قتله، وعلى هذا فيكون إثم اللاعن كإثم القاتل، غير أن القاتل أدخل في الإثم؛ لأنه أفقد المقتول حسًّا ومعنًى، واللاعن أفقده معنًى، فإثمه أخف منه، لكنهما قد اشتركا في مطلق الإثم، فصدق عليه أنَّه مثله، والله أعلم) (٣).


(١) "البدر التمام" (٥/ ٣١٥).
(٢) رواه البخاري (٦٦٥٢)، ومسلم (١٧٦) من حديث ثابت بن الضحاك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
(٣) "المفهم" (١/ ٣١٤ - ٣١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>