للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حسرة" (١).

وهذا كله في المجالس المباحة التي ليس فيها غيبة ولا نميمة ولا لغو، فإن كانت كذلك فالأمر عظيم نسأل الله السلامة.

إن الوقت هو حياة الإنسان، والمرء لا بد له من جليس، ولا بد له من مجالس قهرية كانت أم اختيارية، لذا يلزم العاقل الحريص على ساعات عمره أن يجالس من يستفيد منهم وينتفع بهم، ويحذر مجالسة الكسالى والفارغين الذي لا همَّ لهم إلا القيل والقال وقضاء الفراغ وقتل الأوقات، وقد يكون مع هذا لهو وطرب، وهذه المجالس كثيرة في دنيا الناس اليوم، سواء أكانت جلسات عائلية أو جلسات دورية كل أسبوع أو كل ليلة، وهي المجالس التي لا حظ للملائكة فيها. وتأمل كلام ابن القيم الموجز الشامل حيث يصور المجالس في زمانه فيقول: (الاجتماع بالإخوان قسمان:

أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت؛ فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.

الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاح والتواصي بالحق والصبر؛ فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات:

إحداها: تَزَيُّنُ بعضهم لبعض. الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.

الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.

وبالجملة فالاجتماع والخِلْطَةُ لِقَاحٌ: إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح؛ فمن طاب لقاحه طابت ثمرته. وهكذا الأرواح الطيبة لقاحها من المَلَكِ، والخبيثة لقاحها من الشيطان، وقد جعل الله سبحانه بحكمته الطيبات للطيبين والطيبين للطيبات، وعكس ذلك) (٢). والله تعالى أعلم.


(١) رواه أبو داود (٤٨٥٥)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (٨٠٤)، وأحمد (١٥/ ٢١)، ولعله نفس حديث الأعمش السابق بلفظ آخر، فهو من طريق سهيل عن أبيه.
(٢) "الفوائد" ص (٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>