للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا اختلاف فيه بين العلماء؛ ذكر ذلك الحافظ ابن رجب (١) ويرى أن الصارف عن الإيجاب هو الإجماع، وحديث عمرو بن عبسة رضي الله عنه: (فإذا أقبل الفيء فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر) (٢)، ومثله حديث أبي هريرة رضي الله عنه (٣)، فإن فيهما التصريح بأن الصلاة بعد الزوال مشهودة محضورة متقبَّلة، ولم يفرق بين فرض ونفل.

قوله: (فإن شدة الحر من فيح جهنم) جملة تعليلية لمشروعية التأخير المذكور، وقوله: (من فيح جهنم) أي: من وَهَجِ حرها وسعة انتشارها وتنفُّسها، قال أهل اللغة: (فاحت النار فيحاً: انتشرت) (٤).

وجهنم: من أسماء النار، وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث.

وظاهر الحديث أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة، وهذا هو الصواب، ويؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذِنَ لها بنفَسَيْن: نَفَسٍ في الشتاء، ونَفَسٍ في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير» (٥).

الوجه الثالث: الحديث دليل على استحباب الإبراد بصلاة الظهر أيام الحر، وذلك بأن تؤخر عن أول وقتها إلى أن يبرد الحر، وتنكسر قوته ويتيسر شيء من الظل، لتؤدى الصلاة في راحة وطمأنينة وخشوع.

الوجه الرابع: ظاهر الحديث أن الإبراد بالظهر عام لكل مصلٍّ، سواء أكان منفرداً أم في جماعة، حتى النساء في بيوتهن؛ لأن الحديث جاء مطلقاً غير مقيد، والخطاب للجميع، وليس لأحد أن يقيد ما أطلقه الله ورسوله، ولهذا ترجم البخاري على حديث أبي هريرة وغيره ترجمة مطلقة فقال: (باب


(١) "فتح الباري" (٤/ ٢٤٢).
(٢) أخرجه مسلم (٨٣٢).
(٣) أخرجه ابن خزيمة (١٢٧٥)، وابن حبان (١٥٥٠).
(٤) "المصباح المنير" ص (٤٨٥).
(٥) أخرجه البخاري (٥٣٧)، ومسلم (٦١٥) (٦١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>