للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والظاهر أن سبب الخلاف مبني على معرفة المعنى الذي لأجله أُمر بالإبراد، فمن قال: لأجل حصول الخشوع في الصلاة، قال: لا فرق بين من يصلي وحده أو في جماعة، وهذا هو الأظهر، وأما من قال: خشية المشقة على من بَعُدَ عن المسجد بمشيه في الحر قال: يختص الإبراد بمن يصلي في المسجد الذي يُقصد من بُعْد (١)، وما قاله الشافعي وجيه، لكن الأخذ بعموم الحديث أولى.

الوجه الخامس: ظاهر هذا الحديث يعارض حديث جابر رضي الله عنه - وما في معناه - وفيه (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي الظهر بالهاجرة)، وهي شدة الحر عند منتصف النهار بعد الزوال؛ لأن قوله (كان يفعل) يشعر بالكثرة والدوام - كما تقدم - وأجيب عن ذلك بأجوبة، لعل من أظهرها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يصليها أولاً بالهاجرة ثم أمر بالإبراد بعد ذلك، وهذا جواب الإمام أحمد، فإنه قال: (هذا آخر الأمرين من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) (٢)، ويدل لذلك حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع نبي الله صلّى الله عليه وسلّم صلاة الظهر بالهاجرة، فقال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم» (٣).

الوجه السادس: الحديث دليل على أن النار موجودة الآن، وأهل السُّنة متفقون على وجود الجنة والنار، وأنهما مخلوقتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك ولله الحمد، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية فأنكرت ذلك، وزعموا أن الله تعالى يخلقهما يوم القيامة، وهذا الحديث وما في معناه


(١) انظر: "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٢٤٠).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن رجب (٤/ ٢٤٣).
(٣) أخرجه ابن ماجه (٦٨٠)، وأحمد (٣٠/ ١٢٢)، وابن حبان (١٥٠٥)، وفيه شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، والظاهر أن شريكًا قد حفظ الحديث، فإنه وافق غيره من الرواة ولم ينفرد بشيء، قال البوصيري (١/ ١٤٨): (إسناده صحيح ورجاله ثقات). وقد نقل البيهقي في سننه (١/ ٤٣٩) عن الترمذي قوله: (سألت محمدًا -يعني البخاري- عن هذا الحديث فعده محفوظًا، وقال: رواه غير شريك، عن بيان، عن قيس، عن المغيرة).

<<  <  ج: ص:  >  >>