للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وإنما لم يؤذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولا خلفاؤه الراشدون لانشغالهم بأمور المسلمين ومصالحهم، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن يمان بن قيس قال: قال عمر رضي الله عنه: (لو أطقت الأذان مع الخِلِّيفَى لأذَّنت) (١).

قال القرطبي: (اعلم أن الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة، وذلك أنه عليه الصلاة والسلام بدأ بالأكبرية، وهي تتضمن وجود الله تعالى ووجوبه وكماله، ثم ثنَّى بالتوحيد، ثم ثلَّث برسالة رسوله، ثم ناداهم لِمَا أراد من طاعته، ثم ضمن ذلك بالفلاح، وهو البقاء الدائم، فأشعر بأن ثمَّ جزاء، ثم أعاد ما أعاد توكيداً) (٢).

وقد شُرع الأذان في السنة الأولى من الهجرة، على القول الراجح، على رأس تسعة أشهر من مقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة.

وقد وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع في مكة قبل الهجرة، ولكنها معلولة لا يصح منها شيء، ولذا قال عنها الحافظ: (والحق أنه لا يصح شيء من هذه الأحاديث، وقد جزم ابن المنذر بأنه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد) (٣).

والأظهر من أقوال أهل العلم أن الأذان والإقامة فرض كفاية على الرجال المقيمين والمسافرين، فإذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين، وقد أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم به مالك بن الحويرث وأصحابهرضي الله عنهم فقال: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم»، وهم وافدون على النبي صلّى الله عليه وسلّم، مسافرون إلى أهليهم، وسيأتي إن شاء الله.

وقد داوم النبي صلّى الله عليه وسلّم على الأذان هو وخلفاؤه وأصحابه حضراً وسفراً، والأمر يقتضي الوجوب، ومداومته على فعله دليل على وجوبه، ولأنه من


(١) "المصنف" (١/ ٢٢٤)، وأخرجه -أيضًا- البيهقي (١/ ٤٣٣)، وصححه الحافظ في "فتح الباري" (٢/ ٧٧).
(٢) "المفهم" (٢/ ١٤).
(٣) "فتح الباري" (٢/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>