للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يُغِيْر إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك، وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «على الفطرة»، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خرجت من النار»، فنظروا فإذا هو راعي معزى (١).

ووجه الدلالة: أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع المنادي ينادي، فقال غير ما قال، فدل على أن الإجابة غير واجبة.

لكن هذا الدليل ليس صريحاً في ذلك، فإنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال، فيجوز أن يكون النبي صلّى الله عليه وسلّم تابع المؤذن ولم ينقله الراوي، اكتفاءً بالعادة، وحرصاً على نقل القول الزائد، ويحتمل أن يكون قبل صدور الأمر بإجابة المؤذن، والمقصود أن دلالته غير صريحة، وأصرح منه قوله صلّى الله عليه وسلّم لمالك بن الحويرث ومن معه - كما سيأتي قريباً ـ: «إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم»، فهذا يدل على أن المتابعة غير واجبة، وذلك لأن المقام مقام تعليم، والحاجة داعية إلى بيان كل ما يحتاج هؤلاء، وقد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلّى الله عليه وسلّم في متابعة المؤذن، فلما ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه دل على أن الإجابة غير واجبة، والله أعلم (٢).

الوجه الرابع: ظاهر حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن المتابع يقول مثل ما يقول المؤذن في جميع جمل الأذان، وحديث عمر رضي الله عنه وكذا حديث معاوية في إحدى روايات البخاري يفيد أنه يتابع بمثل ما يقول المؤذن إلا في الحيعلتين فيقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فيحمل حديث أبي سعيد العام على الخاص وهو حديث عمر رضي الله عنه عملاً بنصوص السنة كلها، ولأن المعنى مناسب لإجابة الحيعلة بالحوقلة، كما سيأتي، وهذا هو المشهور عند الجمهور (٣).


(١) أخرجه مسلم (٣٨٢).
(٢) انظر: "الشرح الممتع" (٢/ ٧٥).
(٣) "فتح الباري" (٢/ ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>