للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولأن الأذان قربة لفاعله، والقربة لا يؤخذ عليها أجرة؛ لأن الأجرة تفوت الأجر، فلا يكون فيها أجر بالاتفاق؛ لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أريد به وجهه، لا ما فُعل لأجل عرض الدنيا، وتقاس الإمامة على الأذان بجامع أن كلًّا منهما قربة.

والقول الثاني: جواز الاستئجار على الأذان والإمامة، وهذا رواية عند الحنابلة، والأصح عند الشافعية، والمشهور عند المالكية (١)؛ لأن الأذان عمل معلوم، يجوز أخذ الرِّزق عليه، فجاز أخذ الأجرة عليه، كسائر الأعمال التي فيها مصلحة للمسلمين.

والقول الثالث: جواز الاستئجار على الأذان والإمامة عند الحاجة، وهو أن يكون الآخذ فقيراً، يأخذ الأجرة لحاجته ليستعين بها على العبادة، فالله تعالى يأجره على نيته، بخلاف الغني فلا حاجة له إلى الأجرة، وهذا القول لمتأخري الحنفية، وهو المفتى به، وهو قول ثالث في مذهب الحنابلة، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (٢) لما تقدم، ولحاجة المسلمين إلى المؤذن والإمام، والحاجة تقتضي جواز الاستئجار، لظهور التواني في الأمور الدينية، وفتور رغبات الناس وكسلهم في الاحتساب، لعدم أو قلة الأعطيات من بيت المال. وهذا أظهر الأقوال إن شاء الله.

وأما حديث الباب فليس فيه دلالة على التحريم، وإنما غاية ما يدل عليه هو الندب.

قال ابن قدامة: (ولا نعلم خلافاً في جواز أخذ الرِّزق على الأذان) (٣)، والرِّزق: بكسر الراء هو ما ينتفع به، وهو ما يعرف في وقتنا بالراتب، والرَّزق: بالفتح هو المصدر، وهو الإعطاء، وإنما جاز أخذ الرزق على الأذان لأن بالمسلمين حاجة إليه وبيت المال إنما وضع لمصالح المسلمين، والأذان والإمامة من مصالح المسلمين، وشرط ذلك ألا يوجد متطوع بالأذان،


(١) المصادر السابقة.
(٢) "الفتاوى" (٢٤/ ٣١٦) (٣٠/ ٢٠٧).
(٣) "المغني" (٢/ ٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>