للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجلود في المصانع الكبيرة، وبواسطة المستحضرات الكيماوية، وذلك جائز؛ لأن المقصود نزع الفضول وتنشيف الجلد من الرطوبات، فبأي شيء حصل كان مجزئاً.

الوجه الرابع: حديث ابن عباس رضي الله عنهما دليل على أن أيَّ إهاب دبغ فقد طهر، لما تقدم من العموم في قوله: «إذا دبغ الإهاب» وفي قوله: «أيما إهاب» و (أل) و (أي) من صيغ العموم، سواء أكان من حيوان طاهر في حال حياة، كالإبل والبقر والغنم، أم من حيوان غير طاهر، كالكلب والخنزير، وهذا قول داود وأهل الظاهر، ورجحه الشوكاني، وقال: (لأن الأحاديث الواردة في هذا الباب لم يُفَرَّقْ فيها بين الكلب والخنزير وما عداهما)، وقال أيضاً: (فالحق أن الدباغ مطهر، ولم يعارض أحاديثه معارض، من غير فرق بين ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، وهو مذهب الجمهور)، وقال: (إنه تقرر في الأصول أن العام لا يُقصر على سببه، فلا يصح تمسكهم بكون السبب شاة ميمونة) (١).

الوجه الخامس: استدل بحديث سلمة وميمونة رضي الله عنهما من قال: إن الدباغ يطهر جلد الميتة التي تُحِلُّها الذكاة، وهي كل حيوان مأكول اللحم، لقوله: «دباغ جلود الميتة ذكاتها»، وفي لفظ: «دباغ الأديم ذكاته»، وفي لفظ: «فإن ذكاتها دباغها» فشبه الدبغ بالذكاة، والذكاة لا تؤثر إلا في مأكول اللحم، فكذا الدباغ؛ لأن المشبه يأخذ حكم المشبه به، وهذا قول في مذهب الحنابلة، رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية (٢)، وصححه الشيخ عبد الرحمن السعدي (٣)، والشيخ عبد العزيز بن باز، وذكر النووي: أنه مذهب الأوزاعي وابن المبارك وأبي ثور وإسحاق بن راهويه (٤).

أما ما لا تُحِلُّه الذكاة فلا يطهر بالدباغ وإن كان طاهراً في حال الحياة، كالهرة فلا يطهر جلدها بالدبغ؛ لأن الذكاة لا تحلها، وإنما جعلت طاهرة في


(١) "نيل الأوطار" (١/ ٧٨).
(٢) "الفتاوى" (٢١/ ٩٥).
(٣) "المختارات الجلية" ص (١١).
(٤) "شرح النووي على صحيح مسلم" (٣/ ٢٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>