للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز إنشاد الشعر في المسجد، وذلك إذا كان مباحاً، فإن كان مناصرة للسنة ودفاعاً عنها فهو مشروع، وإلقاؤه في المسجد مباح، وكذا إذا كان الشعر علماً نافعاً أو وعظاً فهذا جائز في المسجد. بل يثاب عليه قائله إن شاء الله تعالى وكذا قارئه.

وقد ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: (نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن تناشد الأشعار في المسجد … ) الحديث (١).

وهذا لا يعارض حديث الباب، لأنه محمول على تناشد الأشعار الباطلة، أما الأشعار التي تمدح الإسلام أو فيها علم نافع فإنها جائزة، ذكر ذلك البيهقي، والقرطبي (٢) غير أنه يكره تشاغل جماعة المسجد بتناشد الأشعار والإكثار منه حتى يكون ذلك هو الغالب على أمرهم، وذلك لأنه إذا أُكْثِرَ منه يُذْهِبُ وقار المسجد وتزول حرمته.

الوجه الرابع: الحديث دليل على قوة عمر رضي الله عنه في الحق، وحرصه على الخير، حيث أنكر على حسان إنشاد الشعر في المسجد، لكن لما قال له حسان ما قال كفّ عنه ولم يقل شيئاً، وهذا فيه بيان وجوب الوقوف عند الدليل وعدم تجاوزه، وكان عمر رضي الله عنه وقافاً عند كتاب الله تعالى.

الوجه الخامس: الحديث دليل على شجاعة حسان وقوته في الصدع بالحق، لأنه صاحب حق، فإنه رد على عمر إنكاره عليه، لاعتماده على الدليل، ولم يمنعه من ذلك قوة عمر وصلابته وهيبته، لأن صاحب الحق أقوى، وفي هذا درس لأهل العلم أن يبلغوا عن الله تعالى شرعه، وأن يصدعوا بالحق، وألا يخافوا في الله لومة لائم، ليتوارث الناس الحق وينقله جيل عن جيل، لكن إذا تركوا إظهاره اندثر، وذهب بموت أهله، والله المستعان.


(١) أخرجه أبو داود (١٠٧٩) والترمذي (٣٢٢) والنسائي (٢/ ٤٧) وابن ماجه (٧٤٩)، وأحمد (١١/ ٢٥٧)، وقال الترمذي: (حديث حسن).
(٢) "السنن الكبرى" (٢/ ٤٤٨)، "الجامع لأحكام القرآن" (١٢/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>