للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يحدث عنه، وتارة يحدث عن أشياخ من جهينة، وأعلوه بالاضطراب في متنه فَرُوي قبل موته صلّى الله عليه وسلّم بثلاثة أيام، وروي بشهر، وروي بشهرين، وروي بأربعين يوماً، كما أُعلَّ بالاختلاف في صحبة عبد الله بن عكيم، فقد قال البخاري: (أدرك زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا يعرف له سماع صحيح) (١)، وما كان هذا شأنه لا يقف في مقابلة الأحاديث الصحيحة، وهي تدل على ضعفه، فإنها أظهر وأصح وأنفع للأمة، وأقرب إلى أصول الشريعة وقواعدها، فتكون أولى، على أن من أهل العلم من أجاب عن هذه العلل بما لا يتسع له المقام، فإن صح الحديث جُمع بينه وبين حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغيره بأن الإهاب اسم لما لم يدبغ - كما تقدم ـ، فيكون نهياً عن استعمال جلد الميتة قبل دباغته، وقَوَّى ذلك الحافظ ابن حجر (٢)، وقال الحازمي: (ويحمل حديث ابن عكيم على منع الانتفاع به قبل الدباغ، وحينئذ يسمى: «إهاباً»، وبعد الدباغ يسمى جلداً ولا يسمى إهاباً، وهذا معروف عند أهل اللغة، ليكون جمعاً بين الحكمين، وهذا هو الطريق في نفي التضاد عن الأخبار) (٣).

الوجه السابع: في حديث ميمونة رضي الله عنها وما قبله دليل على جواز استعمال الجلد بعد الدبغ في اليابسات كالقمح والشعير، والمائعات كالماء واللبن والسمن والعسل ونحو ذلك، لقوله: «يطهره الماء والقرظ»، وإذا طهر صار حكمه حكم غيره من الأعيان الطاهرة، وتقدم في حديث سلمة بن المحبِّق (فإذا قربة معلقة)، مما يدل على أنه استعمل في الماء، ولم ينكر ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم بل أقرهم عليه.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن سودة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: (ماتت لنا شاة فدبغنا مَسْكها ثم ما زلنا ننبذ فيه حتى صارت شناً) (٤)، وقوله: (مَسْكها) بفتح الميم وسكون المهملة: هو الجلد، والله أعلم.


(١) "التاريخ الكبير" (٥/ ٣٩)، ومثله قال أبو حاتم فيما نقله عنه ابنه في "الجرح والتعديل" (٥/ ١٢١).
(٢) "فتح الباري" (٩/ ٦٥٩).
(٣) "الاعتبار" ص (١١٨).
(٤) أخرجه البخاري (٦٦٨٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>