فنسي عوف - ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا نام لم يُوقظ حتى يكون هو يستيقظ؛ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس - وكان رجلاً جليداً - فكبَّر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي صلّى الله عليه وسلّم، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال:«لا ضير - أو لا يضر - ارتحلوا»، فارتحل فسار غير بعيد، ثم نزل، فدعا بالوضوء فتوضأ، ونودي بالصلاة، فصلى بالناس، فلما انفتل من صلاته إذ هو برجل معتزل لم يصلِّ مع القوم، قال:«ما منعك يا فلان أن تصلي مع القوم؟» قال: أصابتني جنابة ولا ماء، قال:«عليك بالصعيد، فإنه يكفيك»، ثم سار النبي صلّى الله عليه وسلّم فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا فلاناً - كان يسميه أبو رجاء، نسيه عوف - ودعا علياً، فقال: اذهبا فابتغيا الماء، فانطلقا فتلقيا امرأة بين مَزادتين - أو سطيحتين - من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمسِ هذه الساعة، ونَفَرْنا خلوفاً، قالا لها: انطلقي إذاً، قالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قالت: الذي يقال له: الصابئ، قالا: هو الذي تعنين، فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وحدثاه الحديث، قال:«فاستنزِلوها عن بعيرها»، ودعا النبي صلّى الله عليه وسلّم بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين - أو السطيحتين - وأوكأ أفواههما، وأطلق العَزَالى (١)، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء، وكان اخر ذاك أن أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال:«اذهب فأفرغه عليك»، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وايم الله لقد أُقْلِعَ عنها، وإنه ليخيل إلينا أنها أشد مِلأةً منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم:«اجمعوا لها»، فجمعوا لها - من بين عجوة ودقيق وسويقة - حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوه في ثوب وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، قال لها: «تعلمين ما رزئنا من مائك شيئاً، ولكن الله هو
(١) بفتح العين والزاي، واللام يجوز كسرها وفتحها، جمع عزلاء، وهي مصبُّ الماء من الراوية، ولكل مزادة عزلاوان أسفلها. "فتح الباري" (١/ ٤٥٢).