للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يؤخذ من كونهم فقدوا الماء، ثم حصل لهم ذلك - بفضل الله تعالى - من ماء المرأة المشركة، ومن ضمن استعمالهم له أنهم يتوضؤون منه.

قوله: (مزادة) بفتح الميم والمعجمة، هي الراوية، وهي قربة كبيرة يزاد فيها جلد من غيرها، وتسمى أيضاً: السطيحة.

الوجه الرابع: الحديث دليل على جواز استعمال أواني المشركين، ما لم يتيقن فيها النجاسة، فإن الصحابة رضي الله عنهم استقوا من هذا الماء وشربوا، وهذا يدل على أنهم سيتوضأون منه.

الوجه الخامس: الحديث دليل على طهارة جلد الميتة بالدباغ؛ لأن المزادتين من جلود ذبائح المشركين، وذبائحهم ميتة.

الوجه السادس: جواز أخذ الإنسان من ماء غيره الذي حازه إذا دعت الحاجة إلى ذلك، لا سيما إذا كان الأخذ لا يضر صاحبه، فيجوز أن يأخذ ما يدفع عطشه ولو بالقوة؛ لأنه يدفع عن نفسه العطش، ولا يضر صاحبه، وهذا على تقدير أن المرأة لها عهد، وقيل: إنما أخذوا من مائها؛ لأنها كافرة حربية.

الوجه السابع: في الحديث معجزة ظاهرة من أعلام النبوة، فإن الله تعالى أنزل البركة في هذا الماء حتى شرب منه الناس واستقوا، وعادت المزادتان كما كانتا، وقد جاء في رواية الصحيحين: (فشربنا عطاشاً أربعون رجلاً حتى روينا، فملأنا كل قربة معنا وإداوة غير أنا لم نسق بعيراً، وهي تكاد تَنِضُّ من المِلْء) (١)، أي: تسيل.

وعند مسلم: (تكاد تنضرج من الماء) أي: تنشق، قال ابن حجر: (قوله: «تعلمين ما رزئنا من مائك شيئاً» أي: ما نقصنا، وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده، وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة، وإن كان في الظاهر مختلطاً، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة) (٢)، والله تعالى أعلم.


(١) "صحيح البخاري" (٣٥٧١).
(٢) "فتح الباري" (١/ ٤٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>