للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرجل ذا الثوب الأزرق ثانياً - فسار متعثراً نحو الجدار فاسند إليه رأسه وذراعيه ثم تنهد كالفرس المكدود المحمل فوق طاقته وقال بصوت أبح (الشاي!) فما راعني إلا شخص العجوز مستريدا وقد طارت إليه سريبعة - لا أدري كيف جاءت بهذه السرعة المدهشة، فأقبلت عليه وهي تقول بصوت المتلهف فاسنكا! فاسنكا ما بالك وماذا تريد؟. ثم أخذت تمسح العرق المتحدر من وجهه وشعره فهممت أن أدنو منهما ولكنها قالت بصوت متوجع يفتت الأكباد: كلا يا سيدي العزيز رحمة من لدنك وحناناً مكانك! اذهب يا سيدي انطلق. فأخذتني الشفقة ورق قلبي لفرط ولهها فأطعتها والتفتت هي إلى ولدها فقالت له بصوت خافت لين: يا ولدي العزيز يا كاسب الرزق ومصدر الخير سيجيئك الشاي في الحال - في التو واللحظة وأنت يا سيدي يحسن بك أن تتعاطى كوبة من الشاي في منزلك.

فلما بلغت منزلي أعني الفندق طلبت كوبة من الشاي عملاً بنصيحة مستريدا وكنت أشعر بتعب بل بضعف ووهن.

وقال لي إرداليون: خيراً هل ذهبت إلى هناك؟ هل رأيت شيئا؟.

قلت له: نعم لقد أراني بالفعل شيئاً لم يكن في الحسبان.

قال إرداليون: إنه لصاحب آيات ومعجزات وله منزلة سامية في نفوس طائفة التجار.

ولما ذهبت إلى الفراش وجعلت أتدبر ما وقع لي بد لي أني قد توصلت إلى حل مقبول لذلك المشكل العويص. وهو أن ذلك الرجل فيه قوة مغناطيسية عظيمة وأنه أثر على أعصابي بوسيلة لا أدري ما هي فأثار في ذهني صورة الشيخ المعلم الذي كنت أفكر فيه ظاهرة في أقصى منتهى الجلاء والوضوح حتى خيل إلي أني أبصره أمام عيني وقد أقر العلم الحديث نظرية هذه التنقلات الحسية. لا أنكر أن هذا حل لا بأس به ولكني لا أزال أرى أن القوة القادرة على إحداث أمثال هذه التأثيرات والنتائج لهي شيء مجهول خفي. معجز لغزي. ومهما قال القائلون في تفسير هذا الحادث وتأويله فإنه لا ينقص من هوله وغرابته. ومهما كثرت التعليلات العلمية والبيانات الفيزيولوجية والبسيكولوجية فلقد رأيت بعيني رأسي معلمي المقبور ماثلاً أمامي كما كان في حياته!.

في غد ذلك اليوم أقيمت حفلة الرقص في قاعة الإشراف. فزارني والد صوفيا وذكرني بموعدي الذي عقدت مع ابنته. فلما كانت الساعة العاشرة مساءً كنت واقفاً إلى جانبها في