للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستواؤه ثابت في نفس الأمر، وهو متصف بصفات الكمال التي لا يشابهه فيها سمع المخلوقين وبصرهم، وكلامهم ونزولهم واستواؤهم" (١).

٤ - نقول لهم: يلزمكم فيما نفيتموه من الصفات نظير ما أثبتموه من الأسماء، فالكلام في أسماء اللَّه تعالى الحسني كالكلام في صفاته العلى، فكل ما يحتج به من نفي الصفات، يحتج به نافي الأسماء الحسنى، فما كان جوابًا لذلك كان جوابًا لمثبتي الصفات" (٢).

٥ - أن قولهم: بأن أخصَّ وصف للَّه القِدَم قولٌ في غاية الفساد؛ فإن خصائص الرب التي لا يوصف بها غيره كثيرة مثل: كونه رب العالمين، وأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه الحي القيوم، القائم بنفسه، القديم الواجب الوجود، المقيم لكل ما سواه، ونحو ذلك من الخصائص التي لا تشركه فيها صفة ولا غيرها (٣).

الرد على الشبهة الرابعة: وهي زعمهم أن ذلك يستلزم التركيب.

١ - يقال لهم: لفظ "التركيب" يحتمل معان متجددة بحسب الاصطلاحات فيقال المركب لما ركَّبَه غيرُهُ كما قال تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨)[الانفطار: ٨] ويقال: ركَّبتُ الباب في موضعه ونحو ذلك وهذا هو مفهوم المُرَكَّب في اللغة.

قد يقال: المُرَكَّب لِمَا كان متفرِّقًا فجُمِعَ كجمع الأغذية والأدوية المركبة، وقد يقال: المُرَكَّب لما يمكن تفريقُ بعضه عن بعض كأعضاء الإنسان، وإن لم يعهد به حال تفريق في الابتداء، وقد يقال: المُرَكَّب لما يُشار إليه كالشمس والفلك قبل أن يعلمَ جوازَ الانفكاكِ عنه، وقد يقال: المُرَكَّب لما جاز أن يعلم منه شيء دون شيء، كما يعلم كونه قادرًا قبل أن يعلم كونه سميعًا بصيرًا، وإذا كان كذلك فمعلوم أنهم إذا قالوا أن أثبات الصفات تستلزم التركيب لم يُريدوا به الأول والثاني؛ فإن إثبات الصفات لازم للَّه تعالى فيمتنع زوال صفات الكمال عنه ويمتنع أن يجوز عليه خلاف الصمدية كالتَّفرُّق ونحوه فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد" (٤).


(١) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٤٣ - ٤٥) باختصار وتصرف، والنبوات له أيضًا (١/ ٤٢٧ - ٤٢٨).
(٢) انظر: التدمرية لابن تيمية (ص ٣٥) بتصرف، ومنهاج السنة النبوية لابن تيمية (٢/ ١١٥ - ١١٦).
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٥/ ٤٦) بتصرف، والصواعق المرسلة لابن القيم (٣/ ٩٣٨).
(٤) انظر: الصفدية لابن تيمية (١/ ١٠٦).