للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - أن التركيب يطلق ويراد به خمس مَعانٍ:

الأول: تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يجعل وجودها زائدًا على ماهيتها، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته وجود مطلقًا إنما هو في الأذهان لا وجود له في الأعيان.

الثاني: تركيب الماهية من الذات والصفات، فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتًا مجردةً عن كل وصف: لا يسمعُ ولا يبصرُ ولا يعلمُ ولا يقدرُ ولا يريدُ ولا له حياة ولا مشيئة ولا صفة أصلًا، فكل ذات في المخلوقات أكمل من هذه الذات، فاستفدت بنفيك هذا التركيب كفرك باللَّه وجحدك لذاته وصفاته وأفعاله، فكان اسم التركيب ملقيًا لك في أعظم الكفر وموجبًا لك أشد التعذيب.

الثالث: تركيب الماهية الجسمية من الهيولى والصورة كما يقوله الفلاسفة.

الرابع: تركيبها من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام.

الخامس: تركيب الماهية من أجزاء كانت متفرقة فاجتمعت وتركبت.

فإن أردت بقولك: "لو كان فوق العرش لكان مركبا" ما تدعيه الفلاسفة والمتكلمون، قيل لك: جمهور العقلاء عندهم أن الأجسام المحدثة المخلوقة ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا، فلو كان فوق العرش جسم مخلوق محدث لم يلزم أن يكون مركبًا بهذا الاعتبار، فكيف يلزم ذلك في حق خالق المفرد والمركب، الذي يجمع المتفرق ويفرق المجتمع، ويؤلف بين الأجزاء فيركبها كما يشاء، والعقل إنما دل على إثبات إله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة له ولا وجه ولا يدين ولا هو فوق خلقه ولا يصعد إليه شيء ولا ينزل منه شيء، فدعوي ذلك على العقل كذب صريح عليه، كما هي كذب صريح على الوحي" (١).

٣ - قولهم ذلك يستلزم وجود ذات بدون صفات، وهذا محال، فليست الصفات أجزاءً أو أبعاضًا للذات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور ذات منفكة عن الصفات، فلا يوجد ذلك إلا في الذهن أما في الخارج فلا (٢).

٤ - إذا نفيتم عن اللَّه صفاته الثبوتية التي يتميز بها عن غيره بحجة التركيب فليس بواجب؛ إذ قد يشترك


(١) انظر: الصواعق المرسلة لابن القيم (٣/ ٩٤٦ - ٩٤٧) بتصرف، وانظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٥/ ١٤٢) والصفدية لابن تيمية (١/ ١٠٤) وشرح حديث النزول لابن تيمية (ص ١٥).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٣٤٦ - ٣٤٧) بتصرف.