للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثالث: أنه سبحانه إذا قيل: هو قابل لما في الأزل فإنما هو قابل لما هو قادر عليه يمكن وجوده فإن ما يكون ممتنعًا لا يدخل تحت القدرة فهذا ليس بقابل له.

الوجه الرابع: أن يقال: هو قادر على حدوث ما هو مباين له من المخلوقات ومعلوم أن قدرة القادر على فعله القائم به أولى من قدرته على المباين له؛ وإذا كان الفعل لا مانع منه إلا ما يمتنع مثله لوجود المقدور المباين ثم ثبت أن المقدور المباين هو ممكن وهو قادر عليه فالفعل أن يكون ممكنا مقدورًا أولى" (١).

الرد على حجتهم الرابعة: وهي استدلالهم بقصة الخليل .

أ- يقال لهم: ليس في قصة الخليل ما يدل على مذهبكم، وليس فيه حجة لكم، فليس الأفول بمعنى التغير وإنما معناه المغيب والاحتجاب، وهذا ما دلت عليه الآية الكريمة ولغة العرب.

قال ابن تيمية: "أن قصة الخليل حجة عليهم لا لهم، وهم المخالفون لإبراهيم ولنبينا ولغيرهما من الأنبياء وذلك أن اللَّه تعالى قال: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (٧٦) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)[الأنعام: ٧٦ - ٧٩] فقد أخبر اللَّه في كتابه: أنه من حين بزغ الكوكب والقمر والشمس وإلى حين أفولها لم يقل الخليل: لا أحب البازغين ولا المتحركين ولا المتحولين، ولا أحب من تقوم به الحركات ولا الحوادث، ولا قال شيئًا مما يقوله النفاة حتى أفل الكوكب والشمس والقمر، و"الأفول" باتفاق أهل اللغة والتفسير: هو المغيب والاحتجاب، بل هذا معلوم بالاضطرار من لغة العرب التي نزل بها القرآن وهو المراد باتفاق العلماء، فلم يقل إبراهيم: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ حتى أفل وغاب عن الأبصار، فلم يبق مرئيًا ولا مشهودًا، فحينئذ قال: ﴿لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ وهذا يقتضي أن كونه متحركًا منتقلًا تقوم به الحوادث، بل كونه جسمًا متحيزًا تقوم به الحوادث، لم يكن دليلًا عند إبراهيم على نفي محبته، فإن كان إبراهيم إنها استدل "بالأفول" على أنه ليس رب العالمين -كما زعموا-: لزم من ذلك أن يكون ما تقدم الأفول -من كونه متحركا منتقلا- تحله الحوادث، بل ومن كونه جسمًا متحيزًا: لم يكن دليلًا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين، وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم لا على نفس مطلوبهم، وهكذا


(١) انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (٢/ ٤١ - ٤٣) باختصار.