للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآيات، ويحتمل أن يكون المعنى في قوله: ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٤٣] من ترك استئذاني لك في هذه المسألة العظيمة، ومثلها ما لا يكون معه تكليف لمعرفتك والعلم بك.

ويحتمل أن يكون أراد بقوله: ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ أي: تبت إليك أن أسألك الرؤية لهول ما أصابني، لا لأنها مستحيلة عليك، ولا لأني عاص في سؤالي، كما يقول القائل: تبت من كلام فلان ومعاملته، ومن ركوب البحر، ومن الحج ماشيًا، إذا ناله في ذلك تعب ونصب وشدة، وإن كان ذلك مباحًا حسنًا جائزًا، والتوبة هي الرجوع عن الشيء، ومن ذلك سمي الإقلاع عن الذنوب والعود إلى طاعة اللَّه تعالى توبة منها، ومعنى المراد بقوله: ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ [التوبة: ١١٨] أي: رجع بهم إلى التفضل والامتنان ليرجعوا عما كانوا عليه، فقوله: ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ أي: رجعت عن سؤالي إياك الرؤية، وهذا هو أصل التوبة، وليس الرجوع عن الشيء يقتضي كونه عصيانًا فبطل تعلقهم بالآية" (١).

وقال الواحدي: "تبت إليك من مسألتي الرؤية، وذلك أنه سألها من غير استئذان من اللَّه، فلذلك تاب" (٢).

وقال الزجاج: "وقوله: ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٣]. أي: أول المؤمنين بأنك لا تُرى في الدنيا" (٣).

وقال ابن أبي زمنين: "يعني: المصدقين بأنك لا تُرى في الدنيا" (٤).

وقال السمعاني: " ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾ يعني: من سؤال الرؤية قبل الإذن ﴿وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني: أنا أول المؤمنين بأن من يراك متجليًا في الدنيا لا يستقر مكانه، وقيل معناه: أنا أول المؤمنين بأنك لا تُرى في الدنيا" (٥).

وقال القرطبي: "وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية" (٦).


(١) انظر: التمهيد للباقلاني (ص ٢٧٠ - ٢٧١) عني بتصحيحه: ريتشرد مكارئي اليسوعي. المكتبة الشرقية بيروت. ١٩٥٧ م.
(٢) انظر: تفسير الوسيط للواحدي (٢/ ٤٨٠).
(٣) انظر: معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢/ ٣٧٤).
(٤) انظر: تفسير ابن أبي زمنين (٢/ ١٤١).
(٥) انظر: تفسير السمعاني (٢/ ٢١٣).
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٧/ ٢٧٩).