للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على تأويل القرآن، ولا ينبغي أن يسكن إلى قوله ولا يوثق به في لغة العرب، وإن ذكر قوله فينبغي أن يذكر من قوله ما لا يمكنه الإلحاد فيه، أو ما كان مجامعًا فيه لغيره من أهل اللغة المتسننين: كالخليل بن أحمد، وسيبويه، وأبي عمرو بن العلاء، وعلي بن حمزة الكسائي، والفراء، وأبي عبيد، وأبي حاتم - رحم الله جميعهم - ومن سلك سبيلهم ممن سلك طريق السنة، ولم تحفظ عليه البدعة" (١).

قال الطلمنكي: "وقالت القدرية المتفردة بالقدر: إن الله لا يبتدئ بالإضلال أحدًا، ولكن يُضل مُحاربًا، والذي عليه أهل الفقه، والحديث، وأسلاف المسلمين من الصحابة والتابعين، على أن الله قد أضل من شاء، وهدى من شاء، في مكنون علمه، وقد تم كتابه بغير عمل كان منهم، وفعل في ذلك ما شاء، وله الحجة البالغة، ولم يحفظ عن أحد منهم أن الإضلال من الله تسمية، كما قالت الملحدة المبدلة قولا غير الذي قيل لهم، غير أن كثيرًا من أصحابنا من أهل السنة قد أجاب أن الله هدى من كان في علمه أنه يتقبل الهدى ويطيعه ويَتّبع رسله، وأضل من كان في علمه أنه لا يقبل الهدى ولا يطيع ولا يتبع رسله قال الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ﴾ [الجاثية: ٢٣] ".

وقال عمر بن الخطاب للنصراني (٢) الذي عارضه في قوله: "من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له: بل الله أضلك على علم، ثم يميتك ويدخلك النار إن شاء الله" (٣).

وعلى القولين جميعًا: أن الإضلال والهدى من الله قد تقدم في سابق علمه، وأن العباد غير قادرين على الخروج مما علمه منهم.

والآثار والقرآن تشهد لأقوال أهل السنة، وذكرنا في القرآن من ذلك في ثلاثة وعشرين موضعًا، أولها: في البقرة: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا﴾ [البقرة: ٢٦] وأخرها:


(١) بيان منهجية أهل السنة والجماعة في التعامل مع ما يذكره المبتدعة من أهل اللغة في بيان المعاني اللغوية: ١/ عدم السكون لما يذكروه، وعدم الوثوق لقولهم مطلقًا. ٢ / لا يُذكر ما تفرد به عن أهل اللغة، ولا يُتابع قوله إلا ما كان فيه مجامعًا لغيره من أهل اللغة الملتزمين بمنهج السلف.
(٢) جَاثْلَيقُ النَّصَارَى. انظر: شرح أصول الاعتقاد (٤/ ٧٢٥).
(٣) يأتي في الحديث رقم (٢٠٧).