للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في سورة المدثر: ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر: ٣١] (١).

قال أبو عمر (٢): "ولم تزل العرب في جاهليتها تذكر الهدى والضلال في خطبها وأشعارها، قال لبيد بن ربيعة في جاهليته:

مَنْ هَداهُ سُبُلَ الخَيرِ اهْتَدَى … ناعِمَ البَالِ ومَنْ شاءَ أضَلّ (٣)

وما قال لبيد في الإسلام بيتًا واحدًا.

قلت: رُوي أنه قال في الإسلام بيتًا واحدًا:

الحَمد لِله إِذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي … حَتَّى لَبِسْتُ مِنْ الإسْلَامِ سِرْبَالًا (٤) (٥).

وقال محمد الحافظ إسماعيل التيمي (٦)، والظاهر ابن لبيدًا قال قوله:

لَعَمْرُكَ ما تَدري الطَّوَارِقُ (٧) بالحصَى … وَلا زاجِرات (٨) الطّيرِ ما اللهُ صانِغ (٩)


(١) فالفرق بين المشيئة والإرادة، أنَّ المشيئة لَم تأت في الكتاب والسُّنَّة إلَّا لمعنى كونيّ قدَري، وأمَّا الإرادة فإنَّها تأتي لمعنى كونِيٍّ ومعنى ديني شرعيٍّ، ومن مجيئها لمعنى كونيٍّ قدَري قوله تعالى: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام: ١٢٥]. ومن مجيء الإرادة لمعنى شرعيٍ قول الله ﷿: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر﴾ [البقرة: ١٨٥] والفرقُ بين الإرادَتَين أنَّ الإرادةَ الكونيَّة تكون عامَّةً فيما يجبُّه الله ويَسخطُه، وأمَّا الإرادةَ الشرعيَّة فلا تكون إلّا فيما يُحبُّه الله ويرضاه، والكونيَّة لا بدَّ من وقوعها، والدينيَّة تقع في حقٍّ مَن وفَّقه الله، وتتخلَّف في حقِّ مَن لم يحصل له التوفيقُ من الله. انظر: قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: ١٠١). وللاستزادة انظر: شفاء العليل (ص: ٤٦ - ٤٩).
(٢) أي: الطلمنكي.
(٣) هو بيت شعر للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة مطلعها:
إنَّ تَقْوَى رَبّنَا خَيرُ نَفَلْ … وبإذْنِ الله رَيْثي وعَجَلْ
انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري (ص: ٩٠).
(٤) السربال: القميص والدرع، وقيل: كل ما لبس فهو سربال، وقد تسربل به وسربله إياه. وسربلته فتسربل أي ألبسته السربال. انظر: لسان العرب (١١/ ٣٣٥).
(٥) انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني (ص: ١٦٢)، ولم أقف عليه في ديوانه المطبوع.
(٦) محمد بن إسماعيل بن محمد التيمي الشافعي الأصبهاني. أبو عبد الله لم أقف له على ترجمة.
(٧) الطرق: الضرب بالحصى وهو ضرب من التكهن. انظر: لسان العرب (١٠/ ٢١٥).
(٨) الزَّاجرات:
١ - الملائكة التي تسوق السَّحاب ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: ٢].
٢ - جملة النَّواهي التي تزجر وتصدّ عن المعاصي ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: ٢] ".
٣ - الرِّياح التي تُثير السَّحاب ﴿فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا﴾ [الصافات: ٢]. انظر: معجم اللغة العربية المعاصرة (٢/ ٩٧٤).
(٩) هو بيت شعر للبيد بن ربيعة العامري من قصيدة مطلعها:
بَلِينا ومَا تَبلَى النُّجومُ الطَّوالِعُ … وتَبْقَى الجِبالُ بَعْدَنَا والمصانِعُ
انظر: ديوان لبيد بن ربيعة العامري (ص: ٥٧). وأبدل: (الطوارق) بـ (الضَّوَارِبُ).