للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أيضًا: "أكثر طوائف العقلاء يقولون بالعلو، وبامتناع وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، وأما كلام من نقل مذهب السلف والأئمة فأكثر من أن يمكن سطره. . . وعن جرير بن عبد الحميد الرازي أنه قال: "كلام الجهمية أوله عسل وآخره سم، وإنما يحاولون أن يقولوا: ليس في السماء إله".

وجميع الطوائف تنكر هذا، إلا من تلقى ذلك عن الجهمية، كالمعتزلة ونحوهم من الفلاسفة، فأما العامة من جميع الأمم فلا يستريب اثنان في أن فطرهم مقرة بأن اللَّه فوق العالم، وأنهم إذا قيل لهم: "لا هو داخل العالم ولا خارجه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، ولا يقرب إليه شيء، ولا يقرب هو من شيء، ولا يحجب العباد عنه شيء، ولا تُرفع إليه الأيدي، ولا تتوجه القلوب إليه طالبة له في العلو" فإن فطرهم تنكر ذلك، وإذا أنكروا هذا في هذه القضية المعينة التي هي المطلوب، فإنكارهم لذلك في القضايا المطلقة العامة التي تتناول هذا وغيره أبلغ وأبلغ، وأما خواص الأمم فمن المعلوم أن قول النفاة لم يُنقل عن نبي من الأنبياء، بل جميع المنقول عن الأنبياء موافق لقول أهل الإثبات، وكذلك خيار هذه الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينقل عنهم إلا ما يوافق قول أهل الإثبات، وأول من ظهر عنه قول النفاة هو الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وكانا في أوائل المائة الثانية فقتلهما المسلمون، وأما سائر أئمة المسلمين، مثل: مالك، والثوري، والأوزاعي، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وغيرهم، فالكتب مملوءة بالنقل عنهم لِمَا يوافق قول أهل الإثبات، وكذلك شيوخ أهل الدين، مثل: الفضيل بن عياض، وبشر الحافي (١)، وأحمد بن أبي الحواري (٢)،


(١) بشر بن الحارث بن عبد الرحمن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد اللَّه أبو نصر المعروف بالحافي مروزي، سكن بغداد، وهو ابن عم علي بن خشرم، وكان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة، واستقامة المذهب، وعزوف النفس، وإسقاط الفضول، توفي سنة ٢٢٧ هـ. انظر: تاريخ الخطيب (٧/ ٥٤٥).
(٢) أحمد بن عبد اللَّه بن ميمون أبو الحسن بن أبي الحَواري ثقة زاهد د ق. التقريب لابن حجر (رقم ٦١).