للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به وشرعه وأحبه ورضيه، والخطأ لم يأمر به ولم يحبه ولم يشرعه، بل هو مما زينه الشيطان لنفسي ففعلتُه بأمر الشيطان، فهو مني ومن الشيطان (١).

ففهموا أن الشر مخلوقٌ لحِكمة، ولكنَّه لا يُنسب إلى اللَّه تعالى مفردًا، فإنه لا يخلق شرًا محضًا بل كل ما يخلقه: ففيه حكمة، هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس. وهو شر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو شر مطلق فالرب منزه عنه، وهذا هو الشر الذي ليس إليه، وأما الشر الجزئي الإضافي فهو خير باعتبار حكمته، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفردًا قط، بل إما أن يدخل في العموم كقوله تعالى: ﴿خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [غافر: ٦٢] أو يضاف لسبب كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)[الفلق] أو يحذف فاعله كقوله فيما حكاه عن الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (١٠)[الجن] (٢)، ولهذا قال أكثر المثبتة للقدر بأن أفعال العباد مخلوقة للَّه تعالى وهي فعل العبد، فإذا قيل: هي فعل اللَّه، فالمراد أنها مفعولة له لا أنها هي الفعل الذي هو مسمى المصدر، وأكثر الأئمة يفرقون بين الخلق والمخلوق، ولا نزاع بين المسلمين أن اللَّه عادل ليس ظالمًا، لكن ليس كل ما كان ظلية من العبد يكون ظلمًا من الرب، ولا ما كان قبيحًا من العبد يكون قبيحًا من الرب، فإن اللَّه ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله (٣).

٤ - أن الصُّنْعَ في الآية الكريمة ليس المراد به الإثابة أو المعاقبة، ولكن بمعنى إتقان الخلق والفعل، والحِذق في ذلك، قال ابن فارس: "صَنَعَ: الصاد والنون والعين أصلٌ صحيحٌ واحدٌ، وهو عملُ الشيءِ صنعًا، وامرأة صناع ورجل صنع، إذا كانا حاذقين فيما يصنعانه" (٤).

وهذا يدل على أن اللَّه خالق لكل شي للعباد وأفعالهم، أحسن خلقه وأحكمه وأتقنه غاية الإتقان.


(١) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (٣/ ١٤٥).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٤/ ٢٦٦) ومنهاج السنة له (٣/ ١٤٢) (٥/ ٤١٠).
(٣) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (٣/ ١٤٩ - ١٥١) باختصار وتصرف.
(٤) انظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس (٣/ ٣١٣).