للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الرابع:

قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (٢٧)[ص].

قالوا: "نفى اللَّه تعالى أن يكون في خلقه باطل، فلولا أن هذه القبائح وغيرها من التصرفات من جهتنا ومتعلقة بنا، وإلا كان يجب أن تكون الأباطيل كلها من قبله، فيكون مبطلًا كاذبًا تعالى اللَّه عما يقولون علوًا كبيرًا" (١).

الرد عليهم: أن تأويلكم للآية هو تحريف لمعناها الذي دلت عليه، وقول على اللَّه بلا علم، وهي حجة عليكم لا لكم لما يلي:

١ - أن معنى الآية أن اللَّه تعالى لم يخلق السموات والأرض وما بينها عبثًا ولهوًا، ما خلقناهما إِلا ليُعمل فيها بطاعته، وينتهي إلى أمره ونهيه، والذين كفروا ظنوا أنها خُلقت باطلًا ولعبًا، فكفروا باللَّه فلم يوحدوه، ولم يعرفوا عظمته (٢).

وأيضًا خلقها اللَّه تعالى للبعث والحساب، والجنة والنار، وكان المشركون يقولون: إن اللَّه خلق هذه الأشياء لغير بعث. قال: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أنهم لا يبعثون وأن اللَّه خالق هذه الأشياء باطلًا (٣).

٢ - أن ما لا يستعان به على النفع الدائم فهو نفع يتعقبه، ومنه يسمى العبث واللعب باطلا، وإن كان العابث اللاعب فيه منفعته زائلة، لما فيه من اللذة الحاضرة، لكن هو باطل إذا لم يستعن به على الحق الذي يدوم نفعه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦)[الأنبياء]، وقال تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥)[المؤمنون]. فإن الدنيا وإن كان فيها نوع لذة ومنفعة حاضرة فتلك زائلة منقطعة، فهي باطلة، والفعل لمثل ذلك من باب العبث واللعب، واللَّه منزه عن ذلك، إنا خلق هذا الذي ينقص ويزول لما يبقى ويدوم، والذي يبقى ويدوم هو الحق، والذي يزول وينقص قد فسد وهلك (٤).


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٦٢).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢٠/ ٧٨).
(٣) انظر: تفسير ابن أبي زمنين (٤/ ٨٨).
(٤) انظر: جامع المسائل لابن تيمية (١/ ٤٨ - ٤٩).