للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسكناتهم، الذي شاءهه منهم وخلقها لهم، ومشيئتهم وفعلهم بعد مشيئته تعالى، فما يشاؤن إلا أن يشاء اللَّه، وما يفعلون إلا أن يشاء اللَّه (١).

وكما أنا فارقنا مجوس الأمة بإثبات أنه تعالى خالق فارقنا الجبرية بإثبات أن العبد كاسب فاعل صانع عامل، والجبر المعقول الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادرا على الشيء من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار، مثل حركة الأشجار بهبوب الرياح وحركة المحموم والمفلوج والمرتعش، وتنقسم أفعال العبد إلى قسمين: اختياري واضطراري، واختص المختار منها بإثبات الأمر والنهي عليه (٢).

٤ - وأما قولهم: "أو تكون الأفعال من الخلق ومن اللَّه، فيجب المدح والذم لهم جميعا". فباطل؛ فهذا هو عين الإشراك والتشبيه في حقيقة المعنى وهو الاختراع تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا، وأما نحن فلا يلزمنا إيجاب الشركة للَّه تعالى فيها قلنا لأن الإشراك لا يجب بين المشتركين إلا باتفاقها فيها اشتركا فيه، وبرهان ذلك أن أموالنا ملك لنا وملك للَّه ﷿ بإجماع منا ومنهم وليس ذلك بموجب أن تكون شركاؤه فيها لاختلاف جهات الملك لأن اللَّه تعالى إنما هو مالك لها لأنها مخلوقة له تعالى وهو مصرفنا فيها وناقلها عنا وناقلنا عنها كيف شاء اللَّه تعالى وهي ملكنا لأنها كسب وملزمون إحكامها ومباح لنا التصرف فيها بالوجوه التي أباحها اللَّه تعالى لنا وأيضًا فنحن عالمون بأن محمدا رسول اللَّه واللَّه تعالى عالم بذلك وليس ذلك موجبا لأن نكون شركاءه في ذلك العلم لاختلاف الأمر في ذلك لأن علمنا عرض محمول فينا وهو غيرنا وعلم اللَّه تعالى ليس هو غيره ومثل هذا كثير جدا لا يحصى في دهر طويل بل لا يحصيه مفصلا إلا اللَّه وحده لا شريك له. فكيف لم يجب الاشتراك البتة بين اللَّه تعالى وبينا عندهم في هذه الوجوه كلها ووجب أن يكون شركاؤه في شيء ليس للاشتراك البتة فيه مدخل وهو خلقه تعالى لأفعال لنا هو فاعل لها بمعني مخترع لها ونحن فاعلون لها بمعنى ظهورها محمولة فينا وهذا خلاف فعل اللَّه تعالى لها وقد قال بعض أصحابنا بأن الأفعال للَّه تعالى من جهة الخلق وهي لنا من جهة الكسب (٣).


(١) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ٥٢) باختصار وتصرف.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤) باختصار وتصرف.
(٣) انظر: الفصل لابن حزم (٣/ ٥٠ - ٥١) بتصرف.