للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذلك تمكّن المماليك من وقف الزحف المغولي، ومن ثَمَّ بدأوا باسترجاع المدن والإمارات الإسلامية من بين أيديهم حتى تمّ تحرير سائر بلاد الشام من أيدي المغول في عهد السلطان الظاهر بيبرس (١).

وبعد ذلك التاريخ دانت بلاد الشام كلها لحكم المماليك، ومنذ ذلك الوقت ارتبط تاريخ الشام بتاريخ مصر في مختلف مظاهر الحياة العسكرية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية … والثقافية، وإن ما يحدُث في مصر من حالات ضعف وقوّة يؤثر على الشام إيجابًا وسلبًا.

وقد استمرت المناوشات بين المماليك والصليبين وظلَّ المماليك يحققون الإنتصار تلو الانتصار، حتى كان تحقيق أعظم انتصار وهو فتح عكا سنة (٦٩٠ هـ) (٢)، في عهد السلطان الأشرف بن قلاوون (٣).

ولكن ما لبث أن عاد الصليبيون في الثلث الأخير من القرن الثامن الهجري وأغاروا على الإسكندرية واحتلوها سنة (٧٦٧ هـ)، وذلك أنهم وصلوا إليها ولم يجدوا بها نائبًا ولا جيشًا ولا حافظًا للبحر ولا ناصرًا، فدخلوها وعاثوا فيها فسادًا، يقتلون الرجال ويأخذون الأموال، ويأسرون النساء والأطفال واستمروا كذلك حتى وصل السلطان والجيش المصري إليها، فهرب الفرنج منها آخذين معهم الكثير من الأموال والخيرات والأسرى (٤).

هكذا كان حال الدولة المملوكية في الخارج، دولة قوية منِيعة مُهابَة الجانب، استطاعت الدفاع عن الدين والأرض ضد الأخطار التي هددت المنطقة فأوقفت الزحف المغولي، وقامت بإخراج بقايا فلول الصليبيين من بلاد الشام، وأحرزوا انتصارات باهرة، وما زالت أسماء مواقع عين جالوت سنة (٦٥٨ هـ) (٥)، ومرج


(١) هو: بيبرس أبو الفتوح، الملك الظاهر ركن الدين البندقداري الصالحي النجمي، صاحب مصر والشام، وكان على طليعة الجيوش التي حاربت التتار، وجلس على سرير الملك بعد قتل الملك المظفَّر سنة (٦٥٨ هـ) بقلعة الجبل، وكان غازيًا مجاهدًا مرابطًا، خليقًا للملك، لولا ما كان فيه من الظلم والله يرحمه ويغفر له، مات سنة (٦٧٦ هـ). انظر: تاريخ الإسلام (١٥/ ٣٠٦ رقم الترجمة ٢٨٦).
(٢) انظر: أحداث فتح عكا في: المماليك البحرية لشفيق جاسر (ص ١٣٦)، ومصر والشام في عصر المماليك والأيوبين لابن عاشور (ص ٢٠١).
(٣) هو: شعبان بن حسين بن الملك النصر محمد بن قلاوون، أبو الفاخر، تسلطن باتفاق الأمير يلبغا وطيبغا على سلطنته بعد خلع ابن عمه الملك المنصور محمد، وكان عمره عشر سنين سنة (٧٦٤ هـ)، وكان مولده سنة (٧٥٤ هـ). انظر: النجوم الزاهرة (١١/ ٢٤).
(٤) انظر: تفاصيل هذه الحملة في: البداية والنهاية لابن كثير (١٨/ ٧٠٥).
(٥) انظر: تفاصيل هذه المعركة قي: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٣٩٩).