قوله:(أحقُّ ما قال العبد) بالرفع إما أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك أحق ما قال العبد، والمراد ما سبق من الثناء والحمد، أحق ما قال العبد: أي: أصدقه وأثبته، وإنما جعل خبراً ليكون ما بعده مستأنفاً يتم الكلام بدونه، أو مبتدأ وجملة (لا مانع لما أعطيت) خبره، وجملة (وكلنا لك عبد) معترضة، لتأكيد التفويض لله تعالى.
و (أل) في العبد إما للجنس، أو للعهد، والمراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والأول أظهر، لقوله:(وكلنا لك عبد).
قوله:(وكلنا لك عبد) فيها التنبيه على أنه تعالى مالك لجميع العباد، فإليه يرجع الأمر كله، ولم يقل: عبيد، مع عود الضمير على جمع، لأن القصد أن يكون الخلق بمنزلة عبد واحد وقلب واحد، قال تعالى:{إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا}[مريم: ٩٣].
قوله:(لا مانع لما أعطيت) أي: أردت إعطاءه، فإن من أعطى شيئاً لا مانع له، إذ الواقع لا يرتفع، ولا معطي لمن منعه الله، لأن قضاءه نافذ سبحانه وتعالى، فما قَدَّرَ عطاءه وُجِدَ، وما قدر منعه لا يوجد، فلا يستطيع أحد أن يغير شيئاً من ذلك، قال تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر: ٢].
قوله:(ولا ينفع ذا الجد منك الجد) الجد: بفتح الجيم، هو الحظ والغنى والبَخْتُ، و (من) بمعنى: عند، والمعنى: لا ينفع صاحب الغنى عندك غناه ولا حظه، وإنما ينفعه العمل بطاعتك، وإنما كان هذا أحق ما قال العبد لأن فيه التفويض إلى الله تعالى والإذعان له، والاعتراف بوحدانيته، وأن الحول والقوة والخير وغيره منه تعالى.
الوجه الثالث: الحديث دليل على مشروعية هذا الذكر بعد الرفع من الركوع، للإمام والمنفرد والمأموم، في الفرض والنفل، لما فيه من حمد الله تعالى والثناء عليه، وكمال التفويض له سبحانه، والاعتراف بكمال قدرته وعظمته وانفراده بالوحدانية وتدبير مخلوقاته، والله تعالى أعلم.