للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مما يعين على إتلافها وعدم إبقائها، بخلاف ما لو قيل بطهارتها، فإنه قد يُتساهل في إبقائها والابتعاد عنها.

وأما من قال بطهارتها فليس له دليل سوى إراقة الخمر في شوارع المدينة، وهذا لا ينهض دليلاً على الطهارة؛ لأنه لم يكن للصحابة رضي الله عنهم مجارٍ تحت الأرض لتصريف الفضلات، وإخراجها خارج المدينة فيه بعض الحرج، ولأن الخمر التي أريقت ليست من الكثرة بمكان حتى تعم جميع الطرق، بحيث لا يبقى للمارة طريق يمشون فيه، ثم إن الطرق التي أريقت فيها الخمر ليست مواضع للصلاة، بل هي مواضع للاستطراق، وعلى فرض أنه يشق الاحتراز منها فربما وطئها المار، فنقول: إذا وطئها فإن رجله أو نعله يطهره ما بعده من الأرض الطاهرة - كما ثبت في السنة - بل قد يقال: إن هذا الدليل دليل على النجاسة؛ لأن الطاهر لا يراق في الشوارع، وإنما ينتفع به في أي وجه من وجوه الانتفاع.

الوجه الرابع: الحديث دليل على أنه لا يجوز تخليل الخمر، ولا تطهر بالتخليل بفعل فاعل، بل تبقى على نجاستها.

ووجه الدلالة من الحديث: أنه صلّى الله عليه وسلّم أجاب من سأله عن حكم اتخاذ الخمر خلاًّ بالنفي، وهذا دليل على تحريمه. ولأنه وجبت إراقتها، فترك إراقتها مع تخليلها معصية لا يترتب عليها طهارة خَلِّها، فيكون عدم جواز تخليلها من باب سدّ الذريعة، ولأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم صرح بعدم جواز تخليل خمر الأيتام - كما تقدم في رواية أبي داود - ولو كان ذلك جائزاً لكان اليتيم أحوج إلى التخليل؛ لأن مال اليتيم أولى الأموال بالحفظ والتثمير والرعاية، لكن لو تخللت بنفسها بدون فعل فاعل، فالذي عليه جمهور أهل العلم أنه لا حرج فيها؛ لأنه زال شرها بزوال ما فيها من المسكر، والخل مباح، فقد ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سأل أهله الأُدْمَ، فقالوا: ما عندنا إلا خلّ، فدعا به، فجعل يأكل به ويقول: «نِعم الأُدْمُ الخَلُّ، نِعم الأُدْمُ الخَلُّ» (١)، والله تعالى أعلم.


(١) أخرجه مسلم (٢٠٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>