للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يديه، والنهي في الحديث عن الكيفية، لأنه قال: (كما يبرك الجمل)، وفي رواية: (كبروك البعير)، والبعير إذا برك يقدم يديه، بدليل أنه يثني خفيه أولاً قبل ركبتيه، فيبرك مقدمه قبل مؤخره، وهذا مشاهد، وركبتا البعير وكل ذوات الأربع في اليدين، ولو كان المراد بالحديث نَهْيَ المصلي أن يقدم ركبتيه وأمْرَهُ بأن يقدم يديه لكان لفظه: (فلا يبرك على ركبتيه اللتين في رجليه كما يبرك البعير على ركبتيه اللتين في يديه)، وبهذا يكون حديث أبي هريرة موافقاً لحديث وائل من حيث المعنى، فكل منهما دال على النهي عن الكيفية والصفة، لا عن العضو الذي يسجد عليه، ولا ريب أن الجمع بين الروايات أولى من اختلافها وتضادها، أما آخر حديث أبي هريرة وهو قوله: (وليضع يديه قبل ركبتيه) فقد ذكر ابن القيم أنه انقلب على بعض الرواة، وأنَّ صحته (وليضع ركبتيه قبل يديه) (١) حتى يوافق آخره أوله وحتى يتفق الحديثان، وقد ورد بهذا اللفظ كما تقدم.

٣ - أن تقديم الركبتين أرفق بالمصلي، وأقرب إلى الوضع المناسب للبدن، فإن أول ما يلي الأرض منه ركبتاه ثم يداه ثم جبهته وأنفه، والنهوض بعكس ذلك، قال الخطابي: (هذا أرفق بالمصلي وأحسن في الشكل، وفي رأي العين) (٢)، ومن المقرر أن أفعال الصلاة وهيئاتها لا تخالف الجبلة ولا طبيعة البدن.

٤ - أن هذا هو الموافق للمنقول عن الصحابة رضي الله عنهم كعمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود، وكذا جماعة من التابعين، كما تقدم فيما نقله ابن المنذر، وقد روى ابن أبي شيبة شيئاً من ذلك، أكثرها بأسانيد صحيحة (٣).

وهذا مع القدرة على تقديم الركبتين، فإن كان عاجزاً لكبر أو مرض قدَّم ما هو أهون عليه، والله أعلم.


(١) "زاد المعاد" (١/ ٢٢٦).
(٢) "معالم السنن" (١/ ٣٩٧).
(٣) "المصنف" (١/ ٢٦٣ - ٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>