للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في بدنه وعرقه وسؤره وريقه ونحو ذلك، على قولين:

الأول: أنها نجسة، فلو شرب حمار من ماء وبقي بعد شربه شيء فهو نجس، وكذا عرقه وما يسيل من أنفه. وهذا مذهب الإمام أحمد، ودليله حديث الباب، ووجه الدلالة: أنه إذا كان الحمار الأهلي نجساً فإن سؤره وما ذكر يكون نجساً.

القول الثاني: أنها طاهرة، وهذا مذهب الجمهور، ورواية عن الإمام أحمد، اختارها الموفق ابن قدامة (١)، وصاحب «الإنصاف» (٢)، واستدلوا بما يأتي:

١ - أن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه كانوا يركبونها، ولا يخلو ركوبها من عرق، ولو كانت نجسة لبين النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، لحاجة الناس إلى هذا البيان.

٢ - أنه لا يمكن التحرز منها لمقتنيها، فأشبهت الهرة المنصوص عليها في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إنها من الطوافين عليكم»، فإذا عفي عن الهرة لتطوافها فالحمار من باب أولى، ولا سيما أهل الحمر الذين اعتادوا ركوبها.

وهذا القول هو الراجح - إن شاء الله ـ؛ لقوة مأخذه، وهو الأليق بسماحة الشريعة، وبُعدها عن الحرج والمشقة.

قالوا: وأما ما استدل به القائلون بنجاسة ريقها وعرقها فليس صريحاً في تحريم ما ذكر، فإن معنى (رجس) أي: محرمة، كما في اية: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ} .. } [المائدة: ٩٠]، ويحتمل أن المراد بذلك لحمها الذي كان في قدورهم فإنه نجس؛ لأن ذَبْحَ ما لا يحل أكله لا يطهره الذبح، ولهذا قال ابن القيم: (دليل النجاسة لا يقاوم دليل الطهارة) (٣)، والله أعلم.


(١) "المغني" (١/ ٦٨).
(٢) "الإنصاف" (١/ ٣٤٢).
(٣) انظر: "بدائع الفوائد" (٢٧١ - ٢٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>