للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الخامس: استدل بهذا الحديث من قال: إن التشهد الأول واجب، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لما تركه سجد له، وليس بركن، لأن الركن لا يجبره سجود السهو، وهذا قول الإمام أحمد في ظاهر مذهبه، وطائفة منهم إسحاق والثوري وأبو ثور وداود، وحكى الطحاوي مثله عن مالك (١).

وعكس آخرون، فقالوا: إن الحديث دليل على عدم وجوب التشهد الأول، لأنه لو كان واجباً لرجع إليه، وقد أشار البخاري إلى هذا (٢)، وهذا فيه نظر، والصواب الأول، أخذاً بظاهر الحديث.

الوجه السادس: الحديث دليل على وقوع السهو من النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنه من النسيان، والنسيان من طبيعة البشر، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني»، متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وسيأتي.

قال ابن القيم: (وكان سهوه في الصلاة من تمام نعمة الله على أمته، وإكمال دينهم، ليقتدوا به فيما شرعه لهم عند السهو) (٣).

وأما حديث: (إني لأنسى أو أُنَسَّى لأَسُنَّ) (٤)، فقد جاء عن مالك أنه بلغه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال: … فذكره.

وهو حديث لا أصل له، وإنما هو من بلاغات مالك التي لم توجد موصولة، كما نص على ذلك الحفاظ، كابن عبد البر والعراقي وابن حجر وغيرهم (٥)، وهي ضعيفة؛ لأنها معضلة أو منقطعة، ثم إن ظاهره معارض لحديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين، لأنه يدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لا ينسى بباعث البشرية وإنما ينسيه الله ليشرع، والصواب أنه ينسى لأنه بشر، ولا ينافي هذا أنه يترتب على نسيانه فوائد وأحكام كما ذكر ذلك ابن القيم، والله تعالى أعلم.


(١) "فتح الباري" (٢/ ٢١٠)، "الإنصاف" (٢/ ١١٥).
(٢) انظر: "فتح الباري" لابن رجب (٧/ ٣١٧).
(٣) "زاد المعاد" (١/ ٢٨٥).
(٤) "الموطأ" (١/ ١٠٠).
(٥) انظر: "التمهيد" (٢٤/ ٣٧٥)، "تخريج إحياء علوم الدين" (٤/ ٤٣)، "فتح الباري" (٣/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>