للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن من سلم ناسياً قبل تمام صلاته ثم ذكر أو ذُكّر قريباً وجب عليه إتمامها فوراً، ولا يمنع من ذلك كلامه أو انتقاله من موضعه، لأن ذلك مبني على اعتقاده تمام صلاته، لقوله: (فقال: أصدق ذو اليدين؟؟ فقالوا: نعم) فهو كلام عمد، لكنه لإصلاح الصلاة.

وأما رواية: (فأومأوا) فيحتمل أنها من تصرّف بعض الرواة، لأنه ظن أنه لا يتكلم لأنه في صلاة، ورواية: (فقالوا) لا غرابة فيها، لأنهم ظنوا أن الصلاة قد انتهت أو أنهم تكلموا لمصلحتها.

أما من يتيقن أن الإمام قد سها وأن الصلاة لم تتم فإنه يبقى في محل الجلوس ولا يتكلم ولا ينصرف.

وهكذا لو زاد الإمام ونبهوه ولم يرجع فإنهم لا يتابعونه في الزيادة، بل يجلسون وينتظرون حتى يسلِّم بهم أو يسلِّمون قبله، والانتظار أحسن، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (١)، لكن الصحابة رضي الله عنهم التبس عليهم الأمر فخشوا أن يكون قد جاء تغيير في الحكم، فلذا سلموا معه وخرج من خرج، لأن الزمان زمن وحي ونسخ، وأما الآن فقد انتهى الأمر فلم يبق إلا السهو.

الوجه الرابع: الحديث دليل على أن الإمام لا يرجع إلى قول واحد من المأمومين إذا كان يظن خلافه حتى يتثبت من غيره، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يقبل قول ذي اليدين وحده، وإنما أقبل على الصحابة فسألهم، ولولا أنه سيرجع إلى قولهم لما سألهم، وكذا يدل عليه حديث ابن مسعود الآتي لما صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم خمساً فقالوا: (أحدث في الصلاة شيء؟) قال: «وما ذاك؟»، قالوا: (صليت خمساً … ) الحديث.

والقول برجوع الإمام إلى قول المؤتمِّين به هو قول مالك وأحمد، وقد نص الفقهاء على أنه لو سبح به اثنان لزمه الرجوع ما لم يجزم بصواب نفسه. فإن جزم بصواب نفسه لم يرجع إلى قول من خالفه ولو كثروا.


(١) "الفتاوى" (٢٣/ ٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>