للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا القول هو الراجح لقوة دليله، ولأنه فيه جمعاً بين الأدلة كلها، وهو أولى متى أمكن، وأما أدلة القائلين بالوجوب، فيجاب عنها بأن حديث أبي أيوب مختلف في رفعه ووقفه - كما تقدم - وعلى القول بصحة رفعه فليست دلالته على الوجوب بصريحة، لأن لفظة (حق) لا يفهم منها الوجوب؛ لأن كل حكم ثابت بأصل الشرع فهو حق، فيدخل فيه الواجب والمسنون، ولو سلمنا دلالته على الوجوب فهو مصروف بالأدلة الأخرى، وأما أدلتهم الباقية فسيأتي الجواب عنها في مواضعها الآتية قريباً إن شاء الله.

الوجه الثالث: حديث أبي أيوب رضي الله عنه دليل على جواز الإيتار بركعة واحدة، ويؤيد ذلك حديث ابن عمر المتقدم (صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح، صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى)، وظاهره جواز الإيتار بركعة واحدة ولو لم يتقدمها شفع، كأن يصلي شخص العشاء وبعدها يأتي بركعة واحدة، لأن الحديث قد خير المكلف بين الثلاث والواحدة والخمس، وقد أخرج البخاري في «صحيحه» أنه قيل لابن عباس: (هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه (١)).

وهذا هو الراجح، أعني أنه لا يشترط تقدم شيء من صلاة النافلة قبل الركعة، لكن الأفضل أن يتقدمها شفع، وأقله ركعتان، تأسياً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم كما سيأتي إن شاء الله.

الوجه الرابع: الحديث دليل على جواز الإيتار بثلاث ركعات لا يسلم إلا في آخرها، وله أن يسلم من ركعتين ويوتر بواحدة، لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفصل بين شفعه ووتره بتسليمة، وأخبر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يفعل ذلك (٢).


(١) "فتح الباري" (٧/ ١٠٣).
(٢) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (١/ ٢٧٨) وابن حبان (٢٤٣٥)، وقال الحافظ في "فتح الباري" (٢/ ٤٨٢): (إسناده قوي).

<<  <  ج: ص:  >  >>