للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسلك آخرون مسلك الجمع، على خلاف بينهم في كيفية الجمع، على طرق ستة، ذكرها العراقي (١)، ومن ذلك أن المنفي هو المداومة عليها، والمثبت هو فعلها أحياناً، كالقدوم من سفر، أو الفتح، أو زيارته لقوم، أو نحو ذلك، وممن قال بذلك البيهقي (٢)، وأيد ذلك بقول عائشة رضي الله عنها: (وإن كان ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به، خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)، وحكاه النووي عن العلماء، وقال: (بهذا يجمع بين الأحاديث) (٣).

وعندي أن هذا هو أظهر الأجوبة، لقوة ما عُلِّلَ به، فإن الأحاديث القولية ثابتة في سنيتهما، فهي مقدمة في دلالتها على الأحاديث الفعلية التي تدل على أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يداوم عليها، ولا ينافي ذلك قول عائشة المتقدم: (كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله)، فإنه لا يلزم من هذا التعبير المداومة، بل هي للدلالة على مجرد الوقوع، ولا سيما أنه وجد هنا قرائن تصرف الفعل عن دلالته على المداومة، عند من يقول بذلك، وتقدم بيان هذه القرائن، وقد يكون مرادها بيان هذا العدد إن صلى الضحى وأنه قد يزيد، والله أعلم.

وأما قولها: (ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلي سبحة الضحى قط … ) فلعله محمول على المداومة، بدليل قولها: (كان يصلي الضحى أربعاً)، وبدليل حديثها الثاني لتتفق الأدلة، ثم إنه لا يلزم من عدم رؤيتها له عدم الوقوع، لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لا يكون عندها وقت الضحى إلا نادراً، فقد يكون في المسجد، وقد يكون مسافراً، وقد يكون في موضع آخر، والله تعالى أعلم.


(١) "طرح التثريب" (٣/ ٦٢ - ٦٤).
(٢) "السنن الكبرى" (٣/ ٤٩).
(٣) "الخلاصة" (١/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>