للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من البلاغة تكرار النداء، فكأنه قال: يا الله، يا ربنا، وقد مضى الكلام في هذه الصيغة مستوفىً عند الحديث رقم (٢٩٥)، ولله الحمد.

قوله: (فَصَلُّوا قُعُوداً أَجْمَعِينَ) هكذا بالنصب في نسخ «البلوغ»، والذي في «سنن أبي داود»: «أجمعون» بالرفع، ولكلٍّ وجه؛ فالنصب على الحال من ضمير (فصلوا)، والتقدير: فصلوا قاعدين مجتمعين، وأما بالرفع فهو تأكيد لضمير (صلوا)، وفائدة هذا التأكيد بيان أنه لا يكفي جلوس البعض عن الباقين.

الوجه الثالث: الحديث دليل على أن الحكمة من جعل الإمام إماماً هي الاقتداء به ومتابعته، وبناءً على ذلك فإن المأموم منهيٌّ عن الاختلاف عليه، ويكون ذلك بواحد من أمور ثلاثة، وهي:

مسابقته، أو موافقته، أو التأخر عنه.

أما الأمر الأول وهو مسابقة الإمام، فمعناها أن يأتي بأفعال الصلاة قبل إمامه؛ كأن يكبر قبله أو يركع قبله، فهذا محرم باتفاق الأئمة، وصلاته باطلة إن كان عامداً عالماً بالحكم على الراجح من قولي أهل العلم.

وقد ورد عن أنس رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: «أيها الناس، إني إمامكم، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف، فإني أراكم أمامي ومن خلفي … » (١).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «أما يخشى أحدكم - أو لا يخشى أحدكم - إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار» (٢).

وإن كان ساهياً أو جاهلاً بالحكم فصلاته صحيحة، لكن عليه أن يرجع ليأتي بما سبق به إمامه بعد إمامه؛ لأنه فعله في غير محله.


(١) أخرجه مسلم (٤٢٦).
(٢) أخرجه البخاري (٦٩١)، ومسلم (٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>