للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انفراده عن معاذ، ولو كان مثل ذلك لا يجوز لبيَّنه له؛ لأن المقام مقام بيان، وإنما أنكر على معاذ، وحثّه على التخفيف.

وظاهر رواية مسلم: (فانحرف رجل فسلم ثم صلّى وحده وانصرف) أنه سلم وقطع الصلاة ثم استأنفها، وليس المراد أنه بنى على صلاته مع معاذ.

الوجه الرابع: أنه يشرع للإمام مراعاة من خلفه من المأمومين، فلا يطوِّل عليهم بما يشق ويورث السآمة والملل إذا لم يرضوا بذلك، ولا يخفف تخفيفاً يخل بالصلاة، وسيأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله.

وإنكار النبي صلّى الله عليه وسلّم على معاذ؛ لأنه كان يتأخر عليهم بالصلاة بسبب صلاته مع النبي صلّى الله عليه وسلّم أولاً، فإذا جاء وصلّى بهم أطال القراءة حتى إنه قرأ بسورة البقرة في العشاء، وهم أصحاب عمل وحرث، فهم بحاجة إلى النوم والراحة، وقد جاء في حديث جابر عند مسلم في قصة الرجل الذي نال منه معاذ: ( … فقال: يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار، وإن معاذاً صلّى معك العشاء، ثم أتى فافتتح بسورة البقرة … ) الحديث، ولهذا قال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أفتان أنت؟»، ومعنى الفتنة هنا: أن التطويل يكون سبباً للخروج من الصلاة أو التخلف عن صلاة الجماعة.

الوجه الخامس: أن المشروع في صلاة العشاء أن يقرأ فيها بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا}، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}، و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}» ونحوها من السور، وأن الصلاة بمثل هذه السور تخفيف، وقد يَعُدُّ من لا رغبة له في الطاعة ذلك تطويلاً.

الوجه السادس: الحديث دليل على جواز الوقوع في حق من وقع في محذور ظاهر وإن كان له عذر باطن، فإن معاذاً رضي الله عنه وصف الرجل بسبب ما فعل بأنه نافق، ولم ينكر عليه النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك، وإنما أنكر عليه التطويل، وهذا يدل على أن التخلف عن صلاة الجماعة من صفات المنافقين، كما تقدم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>