للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأجابوا عن قصة معاذ بأنها ليست صريحة في الاستدلال، فإنه يحتمل أنه كان يصلي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فريضة، ويحتمل أن ينويها نافلة، وليس أحد هذا الاحتمالين بأولى من الآخر، ذكر ذلك الطحاوي (١).

وذكر الحافظ ابن رجب أجوبة أخرى ومنها: أن بعض الرواة لم يذكروا أن معاذاً كان يصلي خلف النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإنما ذكروا أنه كان يصلي بقومه ويطيل بهم، ومنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يعلم بذلك، وكلها اعتذارات غير ناهضة، ولهذا قال: (ولم يظهر عنه جواب قوي، فالأقوى جواز اقتداء المفترض بالمتنفل … ) (٢).

والقول الأول أرجح، فإن الحديث صريح في المسألة، ويقويه ما ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم صلّى صلاة الخوف بطائفتين، بكل طائفة ركعتين (٣).

وأما حديث أبي هريرة، فعنه جوابان:

الأول: أن المراد بالاختلاف المنهي عنه اختلاف الأفعال الظاهرة، بدليل سياق الحديث، كما تقدم.

الثاني: سلَّمنا أنه عام في اختلاف النيات والأفعال، لكنه مخصوص بأدلة جواز اختلاف النية، ومنها قصة معاذ رضي الله عنه.

وأما اعتذارهم عن قصة معاذ فهو مردود، فإنه قد ورد في بعض الروايات عن جابر رضي الله عنه أنه قال: «وهي له تطوع، ولهم مكتوبة العشاء» (٤).

الوجه الثالث: الحديث دليل على جواز خروج المأموم من الصلاة لعذر، كأن يطيل الإمام إطالة زائدة عن المشروع تشق على المأموم، ولو كان العذر من أمور الدنيا؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم علم بحال هذا الرجل ولم ينكر عليه


(١) "شرح معاني الآثار" (١/ ٤٠٨).
(٢) "فتح الباري" (٦/ ٢٤٢).
(٣) سيأتي ذلك في باب "صلاة الخوف" إن شاء الله.
(٤) أخرجه الشافعي (١/ ١٤٣ ترتيب مسنده)، والدارقطني (٢/ ١٣)، والبيهقي (٣/ ٨٦) وهي زيادة صحيحة كما ذكر الحافظ في "فتح الباري" (٢/ ١٩٥ - ١٩٦)، وانظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٤/ ١٥٣ - ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>