للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا إنما يتم إذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم هو الإمام، وهذا هو الراجح لقول عائشة رضي الله عنها: (فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ)، فإن هذا هو موقف الإمام مع المأموم، ولقولها: (يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ)، ولقولها في رواية مسلم: (كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلي بالناس، وأبو بكر يُسمعهم التكبير) (١).

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من قال: لا تصح الصلاة خلف إمام قاعد، وهو قول الإمام مالك، واستدلوا بما روى الشعبي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يؤمّنَّ أحد بعدي جالساً» (٢).

وقال آخرون: تصح الصلاة خلفه، ولكن اختلفوا في كيفية ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنهم يصلون خلفه قياماً، وهو قول أبي حنيفة والشافعي (٣)، واستدلوا بحديث الباب حيث إنه صلّى الله عليه وسلّم صلّى قاعداً وصلّى من خلفه قياماً، وذلك في مرض موته، فيكون ناسخاً لحديث عائشة الآتي في صلاتهم خلفه جلوساً؛ لأنه إنما يؤخذ بالآخر فالآخر من أفعاله صلّى الله عليه وسلّم.

قالوا: ولأن القيام في الصلاة فرض، فإذا سقط عن الإمام لعذر، فلا يسقط عن المأموم إلا لعذر.

القول الثاني: أنهم يصلون خلفه قعوداً، وهو رواية عن الإمام أحمد (٤)، ويستدل لذلك بعموم: «إنما جُعِلَ الإمام ليؤتم به»، والائتمام به - كما تقدم - متابعته، فإذا صلَّى قائماً تصلي قائماً، وإذا صلَّى قاعداً تصلي قاعداً، وهو ما دل عليه حديث أبي هريرة المتقدم بلفظ أبي داود.


(١) "صحيح مسلم" (٤١٨) (٩٦).
(٢) "أخرجه الدارقطني" (١/ ٣٩٨)، والبيهقي (٣/ ٨٠).
(٣) انظر: "الاختيار لتعليل المختار" (١/ ٦٠)، "المجموع" (٤/ ٢٦٤).
(٤) "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" (٢/ ١١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>