للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وجابر فإنه يدل على الأفضلية لا على الوجوب؛ لأنه فعل مجرد لم يقترن بقول، فإنه لم ينه عنه، بدليل أنه صلّى الله عليه وسلّم لم يأمر ابن عباس باستئناف صلاته، فإنه كبر تكبيرة الإحرام عن يساره صلّى الله عليه وسلّم ثم نقله عن يمينه، فدل على صحة صلاته.

وهذا القول فيه وجاهة كما ترى، فالظاهر صحة صلاة من صلى يسار الإمام مع خلو يمينه مع الكراهة؛ لأنه ترك المقام المختار وهو يمين الإمام، والقول ببطلان صلاته يحتاج إلى دليل تطمئن إليه النفس.

وقد ورد عن الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله أنه قال: (لو أن رجلاً جاهلاً صلى برجل فجعله يساره كان مخالفاً للسنة، وَرُدَّ إليها، وجازت صلاته) (١).

الوجه الثالث: الحديث دليل على صحة نية الإمامة في أثناء الصلاة؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم صلى منفرداً، ثم دخل معه ابن عباس، وهذا على الراجح من قولي أهل العلم في الفرض والنفل، وقد مضى الكلام على ذلك.

الوجه الرابع: الحديث دليل على جواز الجماعة في صلاة التطوع للمصلحة إذا لم يتخذ ذلك عادة راتبة، وقد مضى الكلام على ذلك - أيضاً ـ.

الوجه الخامس: الحديث دليل على أن الإمام إذا أدار المأموم الواقف عن يساره إلى يمينه من وراء ظهره لم تفسد صلاتهما، أما الإمام فلا تفسد صلاته بِمَدِّ يده له وتحويله من جانب إلى جانب، وأما المأموم فلا تفسد صلاته بمشيه من أحد جانبي الإمام إلى جانبه الآخر؛ لأن هذا عمل يسير، وقد جاء تفسير هذه الإدارة بأنها كانت من وراء ظهره - عليه الصلاة والسلام - ففي رواية عند مسلم: (فأخذني من وراء ظهره)، وفي رواية: (فتناولني من خلف ظهره) (٢)، وإنما أخذه من وراء ظهره لئلا يمر بين يديه، والمرور بين يدي المصلي منهي عنه، مع أنه لو أخذه من أمامه لكان أيسر وأسهل.

الوجه السادس: الحديث دليل على حرص ابن عباس رضي الله عنهما على الفقه


(١) "بدائع الفوائد" (٣/ ٨٢).
(٢) "صحيح مسلم" (٧٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>