للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوجه الثالث: استدل بحديث أبي بكرة من قال بصحة صلاة المنفرد خلف الصف، وهم الجمهور - كما حكاه عنهم ابن رشد (١) ـ، ووجه الدلالة من قوله في رواية أبي داود: (فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف) فإنه يدل على أن أبا بكرة ركع خلف الصف فأتى بجزء من الصلاة خلف الصف، ولم يأمره النبي صلّى الله عليه وسلّم بإعادة الصلاة وإنما أرشده في المستقبل إلى ما هو أفضل، بقوله: «ولا تَعُدْ» وهو بفتح التاء وضم العين على المشهور، نهي عن العود إلى ما فعل - كما سيأتي ـ، وأجابوا عن حديث وابصة بأنه مضطرب، كما تقدم، فحديث أبي بكرة مقدم عليه.

والقول الثاني في المسألة: أن صلاة المنفرد خلف الصف باطلة، وهذا مذهب الإمام أحمد، ورواية عن الإمام مالك (٢)، وبه قال جمع من الفقهاء والمحدثين، ذكرهم ابن رجب (٣).

واستدلوا بحديث وابصة، فإن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر من صلى خلف الصف وحده بالإعادة، ويشهد له حديث علي بن شيبان: «لا صلاة لمنفرد خلف الصف».

وأجابوا عن حديث أبي بكرة بأنه لا دليل فيه على صحة صلاة المنفرد خلف الصف؛ لأنه ليس فيه أنه صلى منفرداً خلف الصف قبل رفع الإمام رأسه من الركوع، فقد أدرك من الاصطفاف المأمور به ما يكون به مدركاً للركعة، فهذا بمنزلة أن يقف وحده، ثم يجيء آخر فيصافه، فإن هذا جائز باتفاق الأئمة، ذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية (٤).

والقول الثالث: التفصيل، وهو أنه إن وجد محلاًّ في الصف فصلى وحده خلف الصف لم تصح صلاته، ومن اجتهد ولم يجد مكاناً جاز له أن يقف وحده، وبه قال الحسن البصري، كما رواه عنه ابن أبي شيبة (٥)، وابن قدامة (٦)، ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية (٧)، وابن القيم (٨).


(١) "بداية المجتهد" (١/ ٣٦٢).
(٢) "الإفصاح" (١/ ٥٤).
(٣) "فتح الباري" (٧/ ١٢٠).
(٤) "الفتاوى" (٢٣/ ٣٩٧).
(٥) "المصنف" (٢/ ١٩٣).
(٦) "المغني" (٣/ ٥٦).
(٧) "الفتاوى" (٢٣/ ٣٩٧).
(٨) "إعلام الموقعين" (٢/ ٢١ - ٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>