للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

القول الثالث: أن المسافر مخير إن شاء أتم وإن شاء قصَّر، وعزاه ابن المنذر للشافعي وأبي ثور، وقال ابن الملقن: (إنه وجه للشافعية) (١).

واستدلوا بما سيأتي من فعل عائشة رضي الله عنها أنها كانت تتم وتقصر، كما استدلوا بفعل عثمان رضي الله عنه حيث كان يقصر صدراً من خلافته، ثم أتمها أربعاً (٢)، وكذا من خلفه كابن مسعود رضي الله عنه.

وهذا القول لا يخلو من ضعف؛ لأن التسوية بين القصر والإتمام منقوضة باستمرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم على القصر، ولم ينقل عنه أنه أتم - كما تقدم - ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه لما بلغه أن عثمان صلّى بمنى أربع ركعات قال: (إنا لله وإنا إليه راجعون، صليت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان) (٣).

ولو كان المسافر مخيراً لما استرجع ابن مسعود رضي الله عنه من الأمر الجائز، لكنه استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر، أو يقال: إنه استرجع لترك الأَوْلى.

هذا وقد ذكر ابن القيم عدة أعذار لإتمام عثمان رضي الله عنه، وتعقبها، ثم ذكر أن من أحسنها أن عثمان كان قد تأهَّل بمنى، والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة فإنه يتم (٤).

والناظر في الأدلة المتقدمة يتبين له أن الأحوط للمسافر ألا يدع القصر، اقتداءً بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وخروجاً من خلاف من أوجبه، فإن القول بالوجوب قوي، لكنه قد يشكل عليه إتمام بعض الصحابة، كما تقدم، فإنه لو كان القصر واجباً ما أتم أحد منهم، ولأنكر بعضهم على بعض ترك الواجب، مما يدل على أنهم ما فهموا الوجوب، ولهذا رجَّح الشيخ عبد العزيز بن باز القول بالاستحباب بناءً على ذلك، والله تعالى أعلم.


(١) "الأوسط" (٤/ ٣٣٥)، "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" (٤/ ٩٢).
(٢) أخرجه البخاري (١٠٨٢) (١٦٥٥)، ومسلم (٦٩٤).
(٣) أخرجه البخاري (١٠٨٤)، ومسلم (٦٩٥).
(٤) "زاد المعاد" (١/ ٤٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>