للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١] فقد أَمِنَ الناس، فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك فقال: «صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته» (١).

فهذا يدل على وجوب القصر؛ لأنه أمر بقَبول هذه الصدقة، وهي القصر، وهذا أمر مطلق فيحمل على الوجوب.

والقول الثاني: أن القصر مستحب وليس بواجب، وهو قول عامة أهل العلم - كما يقول ابن تيمية - ومنهم الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنه (٢)، واختاره الشيخ عبد العزيز بن باز، وقال ابن تيمية: (القصر أفضل، والإتمام مكروه)، وهو رواية عن الإمام أحمد (٣).

واستدلوا بقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١].

ووجه الدلالة: أن الآية نفت الجناح - وهو الإثم - عمن قصر الصلاة، وهذا دليل على الإباحة، كما يستفاد من الآيات الأخرى التي ورد فيها نفي الجناح.

كما استدلوا بحديث يعلى المتقدم، ووجه الدلالة: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم سَمَّى التخفيف من عدد الركعات: صدقة، فدل على أنها صدقة وفضل وتخفيف من الله تعالى، والصدقة لا يجب قبولها، بل يجب قَبول العزمات، ولو كان القصر واجباً لما قال عنه: إنه صدقة، بل قال: عزمة من عزمات ربنا أو نحو ذلك مما يدل على وجوب القبول، ثم إن أول الحديث يدل على ذلك، وهو قوله: «صدقة تصدَّق الله بها عليكم»، أي: تفضّل بإباحة ما كان ممنوعاً قبل ذلك، فيكون آخره تأكيداً لأوله (٤).


(١) أخرجه مسلم (٦٨٦).
(٢) "بداية المجتهد" (١/ ٤٠٠)، "المجموع" (٤/ ٣٢١)، "المغني" (٣/ ١٢٥)، "الإنصاف" (٢/ ٣٢١).
(٣) "الفتاوى" (٢٤/ ٩).
(٤) انظر: "قصر الصلاة للمغتربين" للدكتور إبراهيم الصبيحي ص (٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>