للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي داود عَقِبَهُ: (غَيْرُ مَعْمَرٍ لا يُسنده)، والمعنى أنه لم يرو هذا الحديث متصلاً إلا معمر بن راشد، وقد خالفه علي بن المبارك فرواه عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن ثوبان، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، مرسلاً، رواه ابن أبي شيبة (٢/ ٤٥٤).

قال النووي: (الحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، ولا يقدح فيه تفرد معمر، فإنه ثقة حافظ، فزيادته مقبولة) (١).

وهذا فيه نظر؛ لأمرين:

الأول: أن أبا داود أراد بقوله: (غير معمر لا يسنده) إعلال الحديث، ولا يخفى على مثله - وهو من أئمة هذا الفن - أن معمراً ثقة، ومع ذلك أعله بالتفرد بالوصل، فالرد عليه بأن معمراً ثقة لا يكفي.

الثاني: أن الظاهر عند التأمل ترجيح رواية علي بن المبارك وهي الإرسال؛ لأن روايته عن يحيى بن أبي كثير مقدمة على رواية غيره، حاشا رواية هشام الدستوائي والأوزاعي، قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح: (عليُّ بن المبارك ثقة، كانت عنده كتب، بعضها سمعها من يحيى بن أبي كثير، وبعضها عرض) (٢)، وقال ابن عدي: (ولعليٍّ أحاديث، وهو ثبت في يحيى مقدم فيه) (٣).

الوجه الثاني: هذه الأحاديث فيها دليل على أن المسافر إذا أقام في مكانٍ ما إقامة غير مقصودة ولا يعلم نهايتها، بل إن حاله وواقعه اقتضى أن يقيم فله أن يقصر ما أقام أبداً، ولا يتقيد ذلك بمدة معينة.

وهذا مذهب مالك، والشافعي - في أحد الأقوال - وأحمد وأبي ثور، والقول الثاني للشافعية: أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً فقط، وهو المشهور عندهم، والقول الثالث: إلى تمام أربعة أيام فقط (٤).

والظاهر أن التحديد في مثل هذه الأحوال والأوصاف غير وجيه، فإن


(١) "الخلاصة" (٢/ ٧٣٤).
(٢) "مسائل الإمام أحمد" (٢/ ٤٣٩).
(٣) "الكامل" (٥/ ١٨١ - ١٨٢).
(٤) "المجموع" (٤/ ٣٦٢)، "المغني" (٣/ ١٥٣)، "حاشية الدسوقي" (١/ ٣٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>