للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله: (عير) بكسر العين، اسم جمع لا مفرد له من لفظه، وهي الإبل التي تحمل التجارة من طعام أو غيره، وقد ورد عند البخاري: (غير تحمل طعامًا)، وقد دلت الروايات في غير " الصحيحين" أن التجارة كانت لعبد الرحمن بن عوف، وكان دحية الكلبي هو السفير فيها (١).

قوله: (فانفتل الناس إليها) أي: انصرفوا وانفضوا إليها وخرجوا من المسجد لينالوا من هذه التجارة، والراجح أن هذا الانفضاض كان في الخطبة كما تقدم، لقوله تعالى: {وتركوك قائما}.

والظاهر أن انصرافهم هذا كان قبل أن يعلموا الحكم الشرعي بوجوب البقاء في المسجد وسماع الخطبة فظنوا أن هذا جائز، مع ما هم عليه من الحاجة وضيق العيش، وما لقدوم التجارات من وقع في نفوسهم، ومع هذا فإن الله تعالى عاتبهم عتابًا لينًا فقال: {وإذا رأوا} أي: أبصروا، والضمير للصحابة رضي الله عنه، {تجارة} أي: سلعة يتجر بها، {أو لهوًا} أي: عملًا يلهي من التصفيق ودق الطبول عند قدوم عير التجارة، {انفضوا إليها} أي: تفرقوا ذاهبين إليها، وأفرد الضمير مع تقدم التجارة واللهو إما لأن التجارة هي المقصود فعاد الضمير إليها، أو يعود الضمير إلى ما رأوه، {وتركوك قائمًا} أي: واقفًا تخطب، وقد جاء في "مراسيل أبي داود" بإسناده عن مقاتل أن خروجهم إنما كان بعد الصلاة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة قبل الخطبة، ولكنه مرسل لا تقوم به حجة، قال الحافظ: (إن ثبت هذا أزال الإشكال، لكنه مع شذوذه معضل) (٢).

قوله: (لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا) بالرفع على أنه فاعل؛ لأن الاستثناء مفرغ، وفي رواية لمسلم: (فيهم أبو بكر وعمر)، وفي رواية له أيضًا من حديث جابر: (أنا فيهم). وقد ورد في رواية العقيلي عن ابن عباس: (أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسًا من الأنصار)، قال الحافظ: (وهذا


(١) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (١٤/ ٤٨٢).
(٢) "المراسيل" ص (١٦٨)، "فتح الباري" (٢/ ٤٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>